الثقافي

"الفلاقة واليوسفية": بعيداً عن وصاية الوثائق

على الرفّ

بسبب التضييق السياسي، وهيمنة رواية رسمية تكرّس لزعامة الرئيس، زمنَيْ حكم حبيب بورقيبة (1956 -1987) ثم زين العابدين بن علي (1987 -2011)، كانت الكتابة التاريخية لتاريخ تونس الحديث تنأى بنفسها بشكل واضح عن التورّط عن كل ما يخدش الرواية الرسمية لهذا التاريخ، باستثناء بعض الكتابات التي نُشرت في سياقات خاصة؛ إما في الخارج أو ضمن منشورات المعارضة.

منذ 2011، تغيّرت الكثير من معالم هذه الكتابة ليعود تاريخ تونس الحديث إلى واجهة المعالجة التاريخية. من ذلك إصدار الباحث التونسي محمد ذويب منذ أيام لكتاب "الفلاقة واليوسفية من خلال المصادر الشفوية" عن منشورات "سوتيمديا". وهو عمل يضيء فئتين عارضتا خيارات بورقيبة في إدارة ملف الاستقلال، الفلاقة كونهم واصلوا خيار الكفاح المسلح ضد الاستعمار، واليوسفية التي تمثّل تيار معارضة لبورقيبة بقيادة صالح بن يوسف داخل الحزب الدستوري، القوة السياسية في البلاد حينها، وقد جرى طمس كلّ تناول تاريخي لهما حتى كأنهما ليسا من تاريخ البلاد.

حول كتابه، يقول ذويب، في حديث لـ"العربي الجديد": "يتناول الكتاب فترة ما بين 1952 و1956 وهي في اعتقادي الفترة الأكثر حساسية في تاريخ تونس، ومازال يلفّها الغموض. أتناولها في مجال جغرافي محدد وهو منطقة الجنوب الشرقي التونسي التي جرت فيها عديد الأحداث والمعارك وكانت ميدان صراع في البداية بين الفلاقة وفرنسا، ثم اليوسفيين وفرنسا بمساعدة من بورقيبة وأعوانه في فترة لاحقة".

حول استعمال روايات أشخاص كمصادر، يقول "الكتابة التاريخية باعتماد المصادر الشفوية هي كتابة مهمة لكنها على درجة عالية من الحساسية، فالمتحدّث عن تجربته الخاصة يميل إلى تمجيد الذات والفخر أو التوجيه إلى رأي معيّن على حساب رأي آخر، وهنا يتوجّب على الباحث ضرورة الإلمام بالموضوع من مختلف جوانبه والبحث في مختلف الآراء ومقارنتها لإخراج مادة مصدرية تكون حقيقية وواضحة ومحايدة بعيداً عن توجيه التاريخ أو تزويره".

يضيف "لم يقع اعتماد التاريخ الشفوي إلا مع بداية سبعينيات القرن الماضي نظراً لطغيان الوثيقة وهيمنة المدارس التاريخية الكلاسيكية لتتطوّر البحوث شيئاً فشيئاً وليفرض هذا النوع من المصادر نفسه نداً لبقية مصادر البحث".

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي