الثقافي
"لومانيتيه" في حفلها السنوي... فلسطين في القلب
عهد التميمي تشارك في حفل صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 سبتمبر 2018
تتواصل فعاليات حفل صحيفة "لومانيتيه" السنوي، لسان الحزب الشيوعي الفرنسي في الضاحية الباريسية، الذي بدأ الجمعة الماضي وتختتم اليوم ويستقبل مئات الآلاف من الزائرين، لكن ما يميزه هذا العام مشاركة الأسيرة الفلسطينية المحررة عهد التميمي.
ويعتبر الحفل فرصة للحزب الشيوعي ومختلف أحزاب اليسار للتعبير عن مواقفها، والبحث في مستقبل العلاقات والتعاون في ما بينها، بمواجهة حكومة يراها اليسار الفرنسي ليبراليّة وقاسية ولا تخدم مصالح العمال ولا الطبقات المتوسطة.ويتميز هذا الحفل بوجود أجنحة لمختلف أحزاب وتيارات اليسار العربي والدولي، وعلى رأسها كوبا وفنزويلا، وتبرز بشكل خاص أجنحة دولة فلسطين.
الحفل الذي يزوره شبابٌ من مختلف أنحاء فرنسا، ويُحضرون معهم أكياس النوم للبقاء في عين المكان ثلاثة أيام كاملة، يمنح مكانة كبرى للغناء والرقص، ويضم مثل كل سنة أهم المغنين في فرنسا، لذلك يتحول إلى مناسبة جاذبة لأعداد كبيرة من الشباب حتى أولئك الذين لا تستهويهم الأفكار الاشتراكية والشيوعية.
والأجنحة المشاركة في الحفل على اختلافها تقدم الأطعمة والمشروبات، الجانب الذي يعتبر ضرورياً حتى يتمكن المشاركون من دفع رسوم الوجود في هذا اللقاء السنوي المتأصل.
ليس من المبالغة القول إن فلسطين توجد في بيتها في هذا الحفل السنوي، فالحزب الشيوعي الفرنسي من أكثر الأحزاب الفرنسية وفاء للشعب الفلسطيني وقضيته، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع مختلف الأحزاب والتيارات الفلسطينية. كما أن الأعلام الفلسطينية تزين أجنحة مختلف فروع الحزب الشيوعي الفرنسي الوطنية. وفي كل سنة تحضر هذه القضية، من خلال رموز ومظاهرات ومعارض، من المناضل الأسير مروان البرغوثي وإخوانه الأسرى، إلى اعتقال المحامي الفرنسي الفلسطيني، صلاح حموري (رغم مناشدة المسؤولين الفرنسيين إطلاق سراحه)، إلى الحصار الإسرائيلي المتواصل للفلسطينيين، إلى الأبرتهايد، إلى تفعيل سلاح المقاطعة، إلى مواصلة اعتقال المناضل جورج إبراهيم عبد الله، منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلى حضور عهد التميمي ضيفة هذه السنة.
وبذل الحزب الشيوعي الفرنسي وصحيفته "لومانيتيه" جهودا كبيرة لضمان مشاركة التميمي وحضورها إلى فرنسا، لتتحدث عن مآسي الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، في مكان الحفل في باريس، وفي ثلاث مدن بعدها بدعوة من جمعية "فرنسا -فلسطين للتضامن"، وهي نانت وغرونوبل ونانسي، أيام 18 و20 و22 سبتمبر/أيلول الجاري. وتبدو جلية الجهود الكبيرة التي بذلها النائب في البرلمان الأوروبي ومدير صحيفة "لومانيتيه"، باتريك لوهياريك، في الدفاع عن القضية الفلسطينية، فإلى جانب فلسطين، يحضر في الحفل حراك الريف في المغرب، وقضايا الأكراد، وقضايا مختلف أحزاب المعارضة الإيرانية.
يحاول الحزب الشيوعي، منظّم هذا الحفل السنوي، وفي ظل انهيار كبير للحزب الاشتراكي، فتح جسور مع أحزاب يسارية أخرى، من بينها "أجيال"، الذي يرأسه بونوا هامون، وحركة "فرنسا غير الخاضعة" وتشكيلات أخرى من اليسار المتطرف. وتكتسي هذه السنة أهمية كبرى، بسبب قرب إجراء الانتخابات الأوروبية، التي كشفت بعض استطلاعات الرأي حولها عن تقدم كبير لحزب "التجمع الوطني" اليميني، التي ترأسه مارين لوبان، وتقاسمه الصدارة مع حركة الرئيس إيمانويل ماكرون، مدعومة بحزب الموديم، الذي يرأسه فرانسوا بايرو. ولا يأتي اليسار ممثلاً في "فرنسا غير الخاضعة" إلا رابعاً، فيما يكاد يختفي الشيوعيون والاشتراكيون والإيكولوجيون(البيئة).
ويصادف إعلان الرئيس ماكرون عن مسؤولية الدولة الفرنسية في تعذيب واغتيال المعارض الشيوعي موريس أودان، المناصر لاستقلال الجزائر عام 1957، متزامناً مع انعقاد الحفل السنوي. ولا أحد يمكنه إغفال الجهود الكبيرة التي بذلها الشيوعيون الفرنسيون من أجل إعادة الاعتبار لكثير من مناضيلهم الذين قضوا تحت التعذيب في الجزائر، لأنهم كانوا ضد سياسات بلادهم الكولونيالية.
وجرى أمس نقاش هام شارك فيه المؤرخ بنجامان ستورا، أكّد فيه أن مبادرة الرئيس ماكرون مفيدة لأنها ستساعد الكثيرين على الكلام والاعتراف من أجل الوصول إلى الحقيقة، بعد أن كانت المؤسسة العسكرية تمنعهم من ذلك.
كما حظي وصول عهد التميمي إلى فرنسا بأهمية كبيرة، واعتبر تتويجاً لجهود كبيرة من الحزب الشيوعي وصحيفته، ولا يمكن للزائر أن يشفي غليله، لأن العديد من الأنشطة تقام في الوقت نفسه، وبالتالي فإن أي زائر لن يفلت من التردد في حضور هذا النشاط أو ذاك.
أما الأدب والكِتاب بمختلف أنواعه، فكانا حاضرَين بقوة، سواء عبر ندوات عن "كتّاب ومقاومة في تركيا"، و"حروب وصراعات: صناعة الرأي العام"، و"الثقافة من أجل صناعة السلام"، أو من خلال بطاقات بيضاء لكل من كوستا غافراس، وبوعلام صنصال، والفيلسوفة إليزابيث رودينسكو، إلخ.
وتجدر الإشارة إلى أن الحزب الشيوعي الفرنسي يريد من وراء الاستمرار في تنظيم هذا الحفل السنوي، وهو ظاهرة سياسية وثقافية فريدة في فرنسا، محاولة استعادة بعض الشعبية التي فقدها، إذ أصبح لا يتجاوز ما يحصده سوى 5 بالمائة في الانتخابات، إضافة إلى بثّ الروح في صحيفته "لومانيتيه"، التي تعاني من صعوبات اقتصادية، وتعيش على مساعدات وهِبات القراء والدعم الحكومي.
ولا يريد الحزب الشيوعي ومعه تيارات اليسار أن تختفي "لومانيتيه" (الإنسانية) من المشهد السياسي، فحينها لن تجد الطبقات الشعبية والفقيرة من يدافع عنها. كما أن الأمر سيكون تهديدا للديمقراطية والتعددية.