الثقافي

ذكرى ميلاد: أغاثا كريستي.. حياة أعقد من رواية بوليسية

رغم حضور الأماكن العربية في أعمالها إلا أنها بقيت مجرّد ديكورات

وراء القصص المشوّقة التي وضعتها الكاتبة البريطانية أغاثا كريستي (1890 - 1976، يصادف اليوم ذكرى ميلادها)، بمغامراتها وتعقيدات تفاصيلها، والبناء المحكم لشخصياتها، تقف قصتها الشخصية دون أن تقلّ تشويقاً وألقاً، والأغرب أننا نعثر على ترابط متماسك بين المنجز الأدبي (المتخيّل) وحياتها.

تهيّأت لكريستي تقاطعات عدة جعلت منها إحدى أكثر الكاتبات والكتّاب مقروئية في القرن العشرين، بدءاً من تبلور الجنس الروائي في العصر الفيكتوري، والذي ظهرت مع نهايته رغبات قرائية مختلفة تنتظر من يشبعها. حدث أيضاً أن تبلور جنس الرواية البوليسية فنياً، وتحوّل إلى ظاهرة أدبية-تجارية كما لم تعرف ذلك أجناس أخرى. كما تهيأت للكاتبة الإنكليزية فتوحات علمية جديدة، في علم النفس بالخصوص، وأيضاً في علم الجريمة والدراسات الأدبية.

يوجد أكثر من تفسير لنجاح تجربة كريستي الروائية، واللافت أن يجري ربطها في أكثر القراءات تداولاً بمنطلقات ومنعطفات تتقاطع مع الجغرافيا العربية. يرجح كتّاب سيرتها أن بدايات التفات أغاثا ميلر (اسم أسرتها) للكتابة كان حين رافقت والدتها المريضة سنة 1910 إلى القاهرة، وهنا افتتنت -وهي لم تبلغ العشرين بعد- بذلك الغموض الذي يلف الآثار المصرية، والحكايات المتداولة حولها داخل مجتمع البريطانيين في مصر، وقد أثّر ذلك عليها أيما تأثير وهي تقفل راجعة إلى بلادها في مسرحيات كتبت نصوصها وفي قصص كانت تعرضها على الناشرين بأسماء مستعارة وكثيراً ما لم تجد أي صدى.

في 1914، تزوّجت أغاثا ميلر من الطيّار أرشيبالد كريستي. لم يستمر الزواج طويلاً، حتى أنه يبدو قد حدث فقط كي تأخذ الكاتبة الشابة اسماً أدبياً لافتاً في مرحلة لا يمكن الجزم بأنها كانت تملك مشروعاً روائياً كالذي سوف تنجزه، غير أن هذه المرحلة كانت عبارة عن ورشة لبناء شخصية هركول بوارو، أحد أكثر العناصر جاذبية في أعمالها لاحقاً.

زواجها الثاني كان هو الآخر منعطفاً في مسيرتها، حيث اقترنت بالأركيولوجي ماكس مالوان في 1930. كان هذا الارتباط فرصة لتعيش أغاثا الرحلات الاستكشافية والمغامرات بشكل ملموس. تحوّلت حياتها في الثلاثينيات إلى انتقال متواصل بين المواقع وما يدور حولها من حكايات وألغاز.

في 1934، ستنشر رواية "جريمة قطار الشرق السريع"، وبفضل نجاحها الكاسح قفزت إلى موقع جديد في عالم الأدب، حيث الاعتراف الجماهيري والنقدي، ليس فقط في إطار الرواية البوليسية وإنما على مستوى الفنون السردية بشكل عام. لقد وضعت الكاتبة بُنية معقدّة وفي نفس الوقت فاتنة، ما يجعل من هذه الرواية أيقونة النوع الأدبي الذي تنتمي له.

لكن العمل يتجاوز الجانب التشويقي إلى ما هو أبعد وأعمق، إذ يمكن النظر إليه كدراسة في الجريمة ودوافعها، الجريمة باعتبارها خيطاً يوصل إلى أعماق النفس البشرية، ومن خلاله تفتح على ثيمات فلسفية مثل تحقيق العدالة والمعنى العميق للرغبة.

نجحت كريستي بعد ذلك في البقاء في القمة التي أوصلتها لها "جريمة قطار الشرق السريع"، من خلال أعمال مثل "جثة في المكتبة"، و"موت فوق النيل"، و"ساعة الصفر"، و"ذاكرة الأفيال"، و"مسافر إلى فرانكفوت"، و"جريمة في بلاد الرافدين".

ربما نلاحظ مرة أخرى حضور الفضاءات العربية، أو الشرقية بشكل عام، في أعمالها، لكنها لم تكن لدى أغاثا كريستي أكثر من أمكنة، إنها لا تتعدّى أن تكون فضاءات مؤثثة ببعض العناصر التي تحتاجها لاحتضان حكاياتها. وهي في ذلك، كأنما تحاكي بشكل لا واع رؤية المركزية الغربية، فبقية العالم ليس سوى مجال للتوسّع ولفبركة الصراعات المعقّدة.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي