الثقافي
أدب الخيال العلمي: مقاربة عربية
سرد أحداثٍ لا معقولة دون عمق معرفي لا يُشكّل رواية خيال علمي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 سبتمبر 2018
الوكالات
من الواضح أن الركن الأساسي في كتابة أدب الخيال العلمي يُمثّل مشكلةً مزمنة ومعقّدة لكثرةٍ من كتّاب هذا الجنس الأدبي في البلاد العربية؛ وهذا الركن هو الحاجة إلى أرضية معرفية صلبة وفهم عميق للعلوم، خصوصاً: الفيزياء، وعلوم الكون، والبيولوجيا، والكيمياء، ليتمكّن الكاتب من خلق عوالم جديدة متخيّلة، وبنائها وإعمارها بالشخصيّات والأحداث، أو للحديث عن المستقبل وشكله، وتوقّع تطوّراته العلمية والسياسية والاجتماعية، أو لتوظيف عناصر مُتنبّأة أو ممكنة رياضياً؛ مثل السفر عبر الزمن الذي تُتيحه النسبية العامّة لـ آينشتاين مثلاً.
لكنّنا لا نتصوّر إمكانيّتها الفعلية في حياتنا اليومية. هذه المعرفة وذاك الفهم العميقان، لا يتوفّران لأكثر كتّاب هذا الجنس الأدبي عربياً، إذ يظنّون أن سرد أحداثٍ لا معقولة، سطحيّة، وبلا عمق أو أساس معرفيّين، كفيلٌ بتشكيل رواية أو قصّة خيال علمي.
طبعاً، هذا النوع من الأدب مهمّ جدّاً لعدّة اعتبارات؛ من بينها: تقريب المسافة بين المفاهيم العلمية وجمهور القرّاء العام، وبحث آثار التطوّرات العلمية على سيرورة المجتمعات وتحوّلاتها، واختبار أخلاقية التقنيات والاختراعات الجديدة، وإثارة الأسئلة والنقد حولها وحول آثارها، إضافة إلى القوّة التنبّؤية الحادّة لكتابات الخيال العلمي: اختراعات واكتشافات اليوم تؤثّر بشكل هائل على الغد، وتكنولوجيا الحاضر تُغيّر المستقبل؛ أدب الخيال العلمي هو الأداة الأكثر جدارة في استشراف وبحث هذه التأثيرات والمتغيّرات لأنّها تضعها داخل الفعل الاجتماعي المُتخيّل، وتقدّمه على مستوىً متاح لجمهور القرّاء من غير المتخصّصين، ومن زاوية لا تكترث لها العلوم، غير المعنية عادةً بالتحوّلات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية المصاحبة لفتوحاتها.
يمكن تعزيز مثل هذا النوع من الكتابة في البلاد العربية عبر دخول العلماء أنفسهم إلى حقل كتابة العلوم لغير المتخصّصين، وإصدار كتب في هذا الحقل للعموم، أو دخول عالم كتابة الخيال العلمي نفسه. لدينا نماذج كثيرة في الغرب لعلماء يؤلّفون كتباً علمية للعموم، على رأسهم ستيفن هوكنغ الذي ألّف: "تاريخ مختصر للزمن"، و"الكون في قشرة جوز"، و"التصميم العظيم"، وأيضاً ريتشارد دوكنز، وميشيو كاكو، وكارل ساغان، وكارلو روفيلّي، وغيرهم.
هؤلاء يقرّبون المفاهيم والحقائق والتصوّرات العلمية من جمهور غير متخصّص، ويمكّنون مشروع كاتب الخيال العلمي من التمكّن من العلوم وفهمها فهماً جيّداً. أمّا النوع الآخر من العلماء الذين يكتبون أدب الخيال العلمي، فمن بينهم أستاذ الفيزياء آلان لايتمان (من كتبه الأدبية: "أحلام آينشتاين")، وأستاذ الكيمياء الحيوية إسحق أسيموف، وغيرهم كثيرون.
بغير هذين الطريقين، ستظلّ العلوم وتطوّراتها السريعة وتأثيراتها المتوقّعة غير حاضرة في المجال العربي العامّ ونقاشاته، وستظلّ كتابة الخيال العلمي في البلاد العربية فقيرة وسطحية، وساذجة في أغلبها.