الثقافي
مثقّفون جزائريّون يحتجّون.. تغيير الوضع أم تكريسه؟
يوحي البيان بأن الوضع كان جيّداً قبل وزير الثقافة الحالي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 سبتمبر 2018
الوكالات
مع اقتراب شهر سبتمبر الجاري، والذي يُصادف ما يُسمّى في الجزائر بـ"الدخول الاجتماعي"، انتشرت شائعاتٌ عن إجراء تعديل حكومي وشيك يذهب بعددٍ من الوزراء؛ من بينهم وزير الثقافة الحالي، عز الدين ميهوبي، والذي وصل إلى منصبه في أيّار/ مايو 2014، خلفاً لـ نادية لعبيدي التي غادرت "قصر الثقافة" في ظرف وجيز، بعد حملةٍ شنّها "حزب العمّال" اليساري، وصلت إلى حدّ وصفها بأنها "رئيسة عصابة".
غير أن التغيير الذي انتظره معارضو الوزير لم يحدث بـ "قرار رئاسي". هكذا، قرّر عددٌ من الكتّاب والشعراء والفنّانين إطلاق بيانٍ يدعو إلى "تغيير الوضع الثقافي".
تضمّن البيان، الذي حمل في البداية قرابة مئة توقيع ثمّ تجاوزت هذا العدد بحوالي الضعفين، مجموعةً من المآخذ والاتهامات الموجّهة إلى وزارة الثقافة؛ من بينها الهيمنة على الفعل الثقافي وجعله محتكراً "من طرف شلّة معيّنة"، وإسناد المسؤوليات "على أسس الجهوية والولاءات الحزبية والأيديولوجية والحزبية"، وانتشار الفساد الذي "خلق أثرياء جدد باسم الثقافة"، ومنع عددٍ من الفعاليات الثقافية المستقلّة، إضافةً إلى غياب الجزائر عن "المحافل الثقافية الدولية في مجالات الكتاب والمسرح والسينما". وبحسب هؤلاء، فقد تحوّل القطاع الثقافي إلى "عبء ثقيل على الخزينة العمومية، تُقام عليه الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإلغاء فعالياته، كما حدث مؤخّراً في عدّة ولايات".
يدعو الموقّعون إلى فتح أبواب الحوار الذي قالوا إنه "مغلق منذ سنوات"، و"وضع سياسة ثقافية واضحة، بالتشاور مع الفاعلين الثقافيّين"، ومراجعة النصوص التشريعية والقانونية "التي تكبح حرية العمل الثقافي والتعبير الفنّي"، ووضع "معايير شفّافة تتعلّق بتعيين لجان دعم وتمويل المشاريع الثقافية".
وفي وقت التزمت وزارة الثقافة الصمت ولم يصدر عنها أيّ رد فعل رسمي، تعالت أصوات معارضة للبيان والموقّعين عليه؛ حيث قال الشاعر والسيناريست، رابح ظريف، والذي يتّهمه الموقّعون ضمنيّاً بالاستفادة من الوضع الحالي بحكم قربه من الوزير "إن قرابة ثلاثين في المئة من الموقّعين لا علاقة لهم بالمشهد الثقافي. أمّا النصف، فاستُعملت أسماؤهم من دون علمهم".
أمّا الشاعر عاشور فنّي، فاعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد تصفية حسابات شخصيّة؛ مضيفاً أن "الحركة يقودها شخص ضد شخص الوزير"، في إشارة إلى الشاعر عبد العالي مزغيش، الذي يرأس جمعية ثقافية، وكان أحد مطلقي البيان الذي يقول فنّي إنه يتضمّن "نزعةً غوغائية تعتبر الثقافة منافساً للخبز، وعبئاً على الميزانية العمومية، وعائقاً في وجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية".
يأتي البيان في وقتٍ تشهد الساحة الثقافية الجزائرية أكثر من جدل؛ بدءاً بالاعتراضات على مشاركة الممثّل الفرنسي، المؤيّد لدولة الاحتلال الإسرائيلي، جيرار ديبارديو في فيلمٍ يتناول شخصيّة أحمد باي ويُخرجه الإيراني جمال شورجة، ووصولاً إلى منع عرض فيلم للمخرج بشير درايس عن المناضل الجزائري العربي بن مهيدي، وليس أخيراً، إعلان منظّمي "لقاءات بجاية السينمائية" التي نُظّمت دورتها السادسة عشرة قبل أيّام، تعليق التظاهرة "إلى حين توفّر مناخٍ يسمح بممارسة حرّة للفعل السينمائي والفنّي"، احتجاجاً على منع فيلم "شظايا الأحلام" للمخرجة بهية بن شيخ لفقون، والذي يتناول وضع الشباب في ظلّ "الربيع العربي".
اللافت أن البيان لم يُسهم في خلق حالةٍ من النقاش الثقافي الجاد، بقدر ما أثار مماحكاتٍ بينَ فريقَين؛ يتّهم الأوّلُ الثاني بالتهجُّم على وزارة الثقافة بحثاً عن مكتسبات شخصية أو انتقاماً لعدم استفادته، فيردّ الثاني متّهماً الأوّل بالاستفادة من الريع، وهكذا دواليك..
والمؤكّد، أيضاً، أن "حالة الركود الرهيبة التي دخل فيها المشهد الثقافي منذ ثلاث سنوات على الأقل"، ليست مرتبطةً بالوزير الحالي، والذي يُعطي البيان انطباعاً بأن الوضع كان جيّداً قبله، من دون الأخذ بالاعتبار مسألة تقلّص ميزانية القطاع بقرابة 20 % في السنوات الأربع الأخيرة.
وبينما تتعالى الدعوات إلى استقلال الحقل الثقافي، تكاد المبادرة المستقلّة تكون الغائب الأكبر، ولا شكّ أن ذلك هو أحد الأسباب التي تُكرّس الوضع القائم.