الثقافي

"طائر النمنمة": أزمة الحداثة في تركيا المعاصرة

على الرفّ

ينتمي الكاتب التركي، رشاد نوري غونتكين (1889 – 1956)، إلى تيار الواقعية الذي بدأ يتلمّس منذ العقد الثاني من القرن الماضي المتغيّرات السياسية والاجتماعية في فترة انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، والذي ضمّنها في حوالي مئة كتاب.

تنوّعت اهتماماته بين كتابة النقد المسرحي والقصّة القصيرة والرواية، إلى جانب اشتغاله في الصحافة؛ حيث أسّس مجلة ساخرة أطلق عليها اسم "الفراشة". ولم تكن حياته المهنية بمعزل عن التحوّلات الكبرى التي حدثت في بلده؛ من خلاله عمله مدرّساً للأدب والفلسفة، ومفتنشاً في وزارة التعليم، فعضواً في البرلمان بين عامي 1939 و1943، ثمّ ممثّلاً لتركيا في "اليونسكو".

عن "دار ورد للنشر والتوزيع" في عمّان، صدرت حديثاً ترجمة روايته "طائر النمنمة" التي نقلها إلى العربية الكاتب والمترجم الأردني صفوان الشلبي، وهي كسائر أعمال غونتكين تبحث في الصراع بين طبقات المجتمع وتأثّرها بقيم الحداثة، والأزمات الناجمة عن ذلك.

تُعدّ الرواية أحد أكثر الأعمال الأدبية الكلاسيكية انتشاراً في تركيا، وفيها عمد غونتكين إلى طرح أفكاره حول تدهور البنية الاجتماعية للأفراد وكشف النقاب عن مشكلاتهم بشكل غير مباشر.تدور أحداث العمل بين ديار بكر وبغداد والموصل وكربلاء وبيروت وإسطنبول وتكير داغ وإزمير، وعدد من القرى والبلدات الأناضولية النائية التي تُعاني التخلّف والأميّة، ومن التشوّهات المتعلّقة ببيروقراطية السلطة وإدارتها.

يسرد الروائي قصّة فريدة، الفتاة المتعلّمة التي تحمل فكراً عصرياً يُناقض أحكام ومواقف وسلوكيات مجتمع متخلّف، متتبّعاً ما تُواجهه من إحباطات ومعاناة مادية ونفسية، بعدما عاشت خيبة أمل عميقة من خطيبها، فقرّرت الاعتماد على ذاتها، فتركت العيش الرغد في ظل عائلتها الثرية في إسطنبول، لتعمل معلّمة في الأناضول.

هناك، تعيشُ وحيدة من دون سند، وتواجه الفقر والمصاعب والمكائد في تنقّلها من قرية إلى أخرى، وتتعرّض إلى أحكام المجتمع الجاهزة. ونظراً إلى قيامها بأعمال لا يجرؤ أقرانها عليها؛ كالسباحة وتسلّق الأشجار والقفز بين الأغصان، تُطلِق عليها معلّمتها لقلب "طائر النمنمة" المشهور بصخبه وصراخه بصوت عالٍ.تتألّف الرواية من خمسة أجزاء اعتمد الكاتب أسلوبَين مختلفَين من الناحية الفنّية في كتابتها، فالراوي في الأجزاء الأربعة الأولى هي فريدة نفسها، والتي تسرد الأحداث على شكل يوميات، ثم ينتقل الكاتب في الجزء الخامس والأخير إلى اعتماد السرد من خلال راوٍ مراقِب.

 

من نفس القسم الثقافي