الثقافي
"المسحال للثقافة والفنون".. شباب غزة يودّعون مبناهم
هذا المبنى لم يكن إلا "مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والفنون" التي مرّت فوقها الطائرات الحربية الإسرائيلية فأطلقت صواريخها عليه
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 10 أوت 2018
ليس من المبالغة القول إن الفنانين الشباب في غزة، نعوا مبنى، وهذا المبنى لم يكن إلا "مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والفنون" التي مرّت فوقها الطائرات الحربية الإسرائيلية فأطلقت صواريخها وسوتها بالأرض، مساء اليوم الخميس لتصيب 18 فلسطينياً.
ترك القصف المكان كما لو أنه لم يكن، وسرعان ما تحوّل إلى ذكريات وصور تبادلها الفنانون الغزيون على صفحاتهم في فيسبوك خلال الساعات القليلة الماضية كما لو كانت الدليل على حياتهم الثقافية والفنية فيه. لقد كانت المؤسسة بالنسبة إليهم متنفساً وقد أغلق الاحتلال الإسرائيلي بتدمير هذا الفضاء الثقافي منفذاً آخر على أهل غزة.
الشباب على صفحة المؤسسة في فيسبوك تحدثوا عن المكان بوصفه بيتاً للفنانين من موسيقيين ومسرحيين وراقصين، بعض الفتيات وصفنه بأنه كان لهن بيتاً يعدن منه في وقت متأخر من الليل، بعد ساعات طويلة من التدريب على مسرحية، أو دبكة أو مشاركة في تمارين كورال، حيث كانت المؤسسة مركزاً ثقافياً مدنياً في قطاع غزة، يضم أيضاً مقر الجالية المصرية في فلسطين ويحتوي مسرحاً وقاعات للتدريب والورش الثقافية، ويوفر آلات موسيقية ومعدات للتسجيل والتصوير.
الشاعر الشاب محمد أبو كويك كتب على صفحته "لقد قصفوا مسرح الحب. دمروا أحلام المثقفين. عنجهية الاحتلال أضافت إلى قائمتها المسرح. حتى المسرح أصبح يرعب إسرائيل".
في حين نشر المصور الفوتوغرافي أحمد أبو عوض مجموعة من صور الفعاليات في المبنى وكتب معلقاً "كان يوماً ما بيتاً وسركاً وضحكا".
وكتب الفنان محمود جودة: "العدو يضرب في الذاكرة، يضرب في الحب والأغنيات والأفلام، يكتم قلوبًا تعلقت في الكراسي عنابية اللون، وشاشات العرض، والمسرح الدافئ الجميل. كان أحد الأماكن التي تدعونا لأن نتمسك بهذه المدينة الصعبة المملة، يساعدنا في التقاط الأنفاس، والتماس الضحك، والتقاء الأصدقاء ممن عز مواعدتهم وباعدت بينهم المسافات".
وأضاف: "مئات النقاشات، مئات النصوص، مئات الكتب، وآلآف المواعيد الحلوة، وخفقان القلوب، والدموع التي انسكبت على الأفلام، والمسرحيات والقصائد".
وأكمل جودة واصفاً المكان: "لم يكن مؤسسة، أو قاعة، أو مسرحاً، كان عالماً صغيراً لمثقفي وكتّاب وشعراء وفناني غزة، عالم يرون من خلاله ما تيسر من فرح.. إننا نبكي الأحياء من لحم ودم، ونبكي أيضًا على المسارح ورائحتها، ونرثي حجارتها.. اليوم قطف الاحتلال زهرة هذه المدينة، قطف الذكريات والذاكرة، إنه ينجح دائمًا في ذلك".
وكتب هيثم كالوب من "مركز من أجل أطفال فلسطين" الثقافي، على صفحته في فيسبوك: "إسرائيل هدمت هذه الضحكات، هدمت ذكريات آلاف الأطفال، إسرائيل التي لا تعرف معنى للسلام ولا معنى للثقافة، هدمت مبنى الثقافة والفنون والمكان الوحيد في قطاع غزة، الذي يعبّر فيه العديد من الشباب والأطفال وذوي الإحتياجات الخاصة عن طريق المسرح الاستعراضي والدبكة والفنون والمهرجانات الثقافية".
يذكر أن مؤسسة المسحال تأسست عام 1996، لكن هذا المقر افتتح عام 2004 وهو مزوّد بإمكانيات مناسبة لتقديم الأعمال المسرحية، كما يوفر مقرّات للشباب للتدرب على الأنشطة الفنية المختلفة، وكان يضم إلى جانب المسرح، قاعة مؤتمرات ومكتبة إلكترونية وأخرى تقليدية، ومركزاً للدراسات، وقاعة للمعارض التشكيلية، ومختبرات كمبيوتر.
وتتضمن قائمة أهدافه إطلاق برنامج لتوثيق التاريخ الفلسطيني، والمساهمة في نهضة المجتمع في غزة ومساندة المثقف والمبدع الفلسطيني فيها.