الثقافي

"إبادة الكتب": أوراق في مهبّ التاريخ السياسي

يتجاهل بشاعة الاستعمار في تعامله مع الكتب والمخطوطات

"إبادة الكتب" هو العنوان الرئيسي للإصدار الجديد من سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية. أمّا عنوانه الفرعي، فهو "تدمير الكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية في القرن العشرين".الكتاب عبارةٌ عن بحثٍ تاريخي أنجزته الأستاذة في "جامعة هاواي" ربيكا نوث، ونقله إلى العربية عاطف سيد عثمان.

يأتي العمل في تسعة فصول؛ هي على التوالي: "الكتب والمكتبات وظاهرة الإبادة الإثنية"، و"نشأة المكتبات ووظائفها"، و"إطار نظري لإبادة المكتبات"، و"ألمانيا النازية: العنصرية والقومية"، و"صربيا الكبرى"، و"العراق والكويت وسياسات الإجرام"، و"الثورة الثقافية الصينية"، و"التبت ثقافة يحيق بها الخطر"، و"صدام الأفكار".

تبدأ نوث عملها باستكشاف ردود الأفعال على تدمير الكتب، مؤكّدةً أن هذا الفعل جريمة؛ حيث ربطت بينها وبين الإبادة العرقية، فالمكتبات من بين وظائفها العناية بالذاكرة الجمعية وأنساق المعتقدات والقوميات والتطوّر المجتمعي.

وتعزو الكاتبة اختيار هذه الحالات التاريخية لدراستها إلى إمكانية الحصول على مصادر، والمسائل المتعلقة بالتمثيل الجغرافي والسياسي وقابلية دراسة الحالة وفهم دوافع مرتكبي الإبادة.في الجزء المخصّص للعراق والكويت، الحالة التي "تنضوي على دوافع أيديولوجية مثيرة للاهتمام"، وفقاً لنوث، تُقدّم الأخيرة إحصائيات موثّقة حول كميّة الكتب التي أُتلفت في المدارس والجامعات ثم المكتبات، وتتناول إتلاف الأنظمة المعلوماتية ونقل الآثار، كما تشرح بالتفصيل كيف حدث ذلك.

لكنها، وهي تشرح تاريخ "البعث"، تُعرّج على معنى الوحدة العربية، والتي لم تستطع أن تُفسّرها، على نحوٍ غريب، إلّا بربطها باقتناع العرب بنظرية المؤامرة: "كان وقود الوحدة العربية أسطورة تفسيرية عظيمة الأثر فحواها أن الأجنبي عدو.

استندت الأسطورة إلى الفرضية التي تذهب إلى أن الأجانب سبّبوا انحطاطاً ثقافياً وفرقة بين العرب، عن طريق إبقاء الشعب العربي ضعيفاً (...) صار يُنظَر إلى الفقر المعاصر باعتباره ناجماً عن مكائد ينسجها الأجانب، وجرى التخفيف من حدة الخسارة المعنوية التي سبّبتها الهزائم العسكرية المعاصرة للعرب".

تبدو الكاتبة كما لو أنها تغضّ النظر أو تتجاهل التاريخ المعقّد بين الغرب والمنطقة العربية الذي يقوم على الكولونيالية التي استنزفت ونهبت وسرقت وأضعفت، ولا تزال تفعل ذلك بأشكال مختلفة، وتختصر الأمر برغبةٍ في تبرئة الذات من أسباب الهزيمة، واضطرابٍ نفسي عربي عميق نحو الغرب تبدو معه الوحدة العربية ضرباً من البارانويا.

ربما، ننتظر من الكاتبة عملاً آخر عن إبادة الكتب في القرن الواحد والعشرين، علّها تجد في التدمير الأميركي للمخطوطات العراقية والنهب الممنهج لآثاره حالة جديرةً بالدراسة، فتحلّل جرائم الاحتلال الأميركي الذي قصف وأحرق مكتبات عديدة واستولى على أرشيفات وسجلّات عراقية لا يُعرَف إلى اليوم مصيرها.

 

من نفس القسم الثقافي