الثقافي
برترام توماس في "العربية السعيدة": أطماع تعبر الربع الخالي
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 21 جولية 2018
أصدرت "الهيئة المصرية العامة للكتاب" مؤخراً ترجمة جديدة لكتاب الموظف في وزارة المستعمرات البريطانية برترام توماس (1893- 1950) تحت عنوان "العربية السعيدة: عبور الربع الخالي في الجزيرة العربية".هناك إضافة تقدّمها هذه الطبعة لأن الترجمة القديمة المنشورة في عام 1981، والصادرة عن وزارة التراث القومي والثقافة العُمانية، لمترجمها الراحل محمد أمين عبد الله، أهملت ترجمة تقديم ت.أي. لورنس (1888-1935) للكاتب وكتابه، وتصدير الكاتب نفسه لكتابه، كما أهملت ترجمة ملحقٍ مهم دقّق فيه السير آرثر كيث ود. كروغمان في مدى علمية ملحوظات توماس الأنثروبولوجية التي خرج بها، وملاحق أخرى صنّف فيها مجموعاته التي عاد بها من حيوانات وطيور وحشرات، ونشر صور بعض النقوش، ونصاً موسيقياً لألحان بعض الأغاني التي سمعها في جبال القرا العمانية.
يضاف إلى ذلك ما اعترى العنوان من بُعد عن الأصل، فبدلاً من أن يكون ترجمة للعبارة اللاتينية Arabia Felix أي العربية السعيدة، أوردته الترجمة العُمانية "البلاد السعيدة"، فضاعت دلالته الجغرافية المحددة بجنوبي الجزيرة العربية كما وضعها الرومان وقد تبنى المؤلف تسميتهم هذه، علماً أنهم هم الذي قسموا جغرافية الجزيرة العربية إلى ثلاث مناطق، هي العربية الصخرية (البتراء) والعربية الصحراوية، ثم العربية السعيدة. وظلت الترجمة العمانية متمسكة بعبارة "البلاد السعيدة" كعنوان، حتى حين قامت وزارة التراث القومي العمانية بعد ذلك بنشر الملحق المهمل المشار إليه في كتاب مستقل في عام 1984.
في الترجمة الجديدة التي أنجزها صبري محمد حسن، أستاذ اللغويات في "جامعة القاهرة"، يعود برترام توماس، الموظف الذي عمل في العراق وشرقي الأردن خلال سنوات الاحتلال البريطاني لهذين البلدين، إلى الواجهة مجدداً مع عودة الأساطيل والقواعد الأجنبية إلى أجزاء مهمة من الوطن العربي. قد يكون تلازم الوجهين؛ وجه المترحّل، ورسام الخرائط، ومصنف الأعراق واللهجات، ووجه المستعمر القادم على ظهور السفن والطائرات، مصادفة، إلا أنها ستكون من أغرب المصادفات إن كانت كذلك فعلاً.
يعد هذا الموظف أول رحالة غربي يخترق صحراء الربع الخالي، أو بحر الرمال كما يعرفه السكان المحلّيون هناك، على ظهر جمل، بصحبة أفراد من قبائل محلّية تخوّفوا من هكذا مغامرة، ليس بسبب عواصف وجفاف وحرارة أرض تفترشها كثبان رملية عالية فقط، بل بسبب الثارات القبلية الناجمة عن حروب ونزاعات وغزوات لم تكن تهدأ إلا لتندلع كما يخبرنا هذا المترحل. وهكذا كان عليه أن يدفع لهم مالاً يغريهم بمرافقته، وهذا هو ما حدث.