الثقافي

باومان وبوردوني: معجم للأزمة وتأويلاتها

على الرفّ

حين وقعت الأزمة الاقتصادية عام 2008، قدّم علماء الاقتصاد والاجتماع دراسات تقارن الاكتئاب الكبير الذي عرفته ثلاثينيات القرن العشرين بما يحدث في عصرنا، لكن كان هناك فروقات كثيرة وأسباب مختلفة لأزمة زماننا جعل المقارنة تفتقر إلى الكثير مما يجعلها تصل إلى نتائج مجدية.

جرّدت العولمة الدولة من الكثير من صلاحياتها وسلطاتها، وصارت المشاكل التي نعيشها نتاج صراع جرى إنتاجه عالمياً ولم تعد علاقة الفرد والأمة بالدولة كافية للتعامل مع التحديات التي نواجهها. هذا الطلاق الذي وقع بين السلطة والسياسة أنتج نوعاً جديداً من العجز عن الفعل تجاه الأزمة، فالفعل لا بد أن يكون معولماً وعالمياً، في كتابهما "حالة الأزمة" يستكشف عالما الاجتماع، البولندي زيغمونت باومان (1925-2017) والإيطالي كارلو بوردوني (1946)، الأبعاد السياسية والاجتماعية للأزمة في عصرنا، والتي تفاقمت بعد 2008، لكن جذورها أعمق بكثير مما حدث في ذلك العام، بل إنها نتيجة لسلسلة من التحوّلات التي ستترك أثرها لوقت طويل.

صدرت ترجمة الكتاب مؤخراً عن "الشبكة العربية للأبحاث"، وقد نقله إلى العربية حجاج أبو جبر، ويأتي في ثلاثة فصول أساسية هي "أزمة الدولة"، و"الحداثة في أزمة"، و"الديمقراطية في أزمة".في الفصل الأول يتناول الباحثان تعريف الأزمة والدولة بلا دولة، وعلاقة الدولة بالأمة من خلال "لفياثان" توماس هوبز من حيث علاقة الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة بعصرنا والتغيرات التي دخلت على هذه السلطة. في الفصل الثاني، يتطرّق الكاتبان إلى ما وقع بعد أن بدأ عصر ما بعد الحداثة، ونكثت الحداثة بوعودها ودخلنا في عصر ما بعد الحداثة ثم حالة الإنكار التي سادت الفكر والقول بنهاية التاريخ. أما الفصل الثالث، فيتناول أخلاقيات التطور والديمقراطية والمدخل إليها، ثم يعرج على فكرة ما بعد الديمقراطية والنظام العالمي الجديد.

يقدّم الكتاب مساراً يتتبع فيه الأشكال المختلفة التي اتخذتها المشكلات والقضايا والأزمات في الأزمنة المتغيرة. يحلل المجتمع الحديث وفقاً لآراء باومان وبوردوني، وبناء على فرضية أساسية هي أن الأزمة التي تواجه العالم اليوم ليست مؤقتة، وأنها مؤشر على تغير عميق يتضمن النظامين الاجتماعي والاقتصادي بشكل كامل، وسيكون لهذه الأزمة تبعات مقبلة.بالنسبة إلى بوردوني فإنه ينظّر لأزمة الحداثة وما بعد الحداثة، معتبراً أنها تمثل فترة خلافية مثيرة للجدل تركت آثارها علينا، في حين يقترح باومان حلولاً جديدة في إطار عمله على نظرية المجتمع السائل والحداثة السائلة، لكن تحليل الاثنين يقدم تصوراً لحالة المجتمع الغربي اليوم، من حيث أزمة الدولة الحديثة مع الديمقراطية التمثيلية والاقتصاد النيوليبرالي والخروج من مجتمع الحشد.العمل بمثابة معجم للأزمة في المجتمع المعاصر، وإن كان العمل يولي المجتمع الغربي أولوية القراءة والتحليل والتفكير، لكن فكرته تمتد إلى مجتمعات أخرى في ظل أزمة تلقي بآثارها على بلدان ومجتمعات العالم ككل وبالضرورة مستقبلها.

 

من نفس القسم الثقافي