الثقافي

ذكرى ميلاد: العقاد.. في نقض العقل المطلق

سيبقى نموذجاً لذلك الخارج عن مألوف العامة والخاصة

بعد عمله أقل من عامين تنقّل خلالهما في وظائف حكومية عديدة، قدّم عباس محمود العقاد (1889 – 1964) الذي تصادف ذكرى مولده اليوم، استقالته في مقال شهير نٌشر عام 1907 بعنوان "الاستخدام رق القرن العشرين"، والذي أشار فيه بوضوح إلى رفضه أن يكون موظّفاً كالعبد لنظام لا رأي له فيه سوى الطاعة، وأن يكون هذا النظام أداة بيد المحتل الأجنبي.

كان ذلك هو الخروج الأول لصاحب "الإنسان الثاني" (1913) عن قيود عصره، متوجّهاً إلى الصحافة التي لم تكن خياراً أسهل، حيث اضطّر أن يغادر صحيفته الأولى التي أُغلقت، ويرتحل من صحيفة إلى أخرى بسبب مواقفه المؤيدة للحريات والتي لم يتخلّ عنها مهما كانت العقوبة المنتظرة.على المنوال نفسه، خاض تجربته الحزبية في "الوفد" حيث خالف آراء الحزب وقادته في أكثر من موضع، لربما كانت أبرزها تأييده لمنافسه طه حسين عندما واجه معارضة كبيرة إثر نشره كتابه "في الشعر الجاهلي"، وكذلك فعل حين أيّد علي عبد الرازق الذي تعرّض لهجوم مماثل بعد إصداره "الإسلام وأصول الحكم"، رغم أن العقاد لم يكن يتوافق معهما على كثير من الأفكار، إلا أنه انتصر لما يؤمن به من حرية المعتقد والتفكير.

خسر الحزب صاحب "عابر سبيل" كما خسرته الوظيفة التي لم يستطع أن يرى بسبب نزعته المثالية أنها قد تكون وسيلة للتغيير من داخل بنية السلطة ذاتها، وهو الذي انتخب عضواً في البرلمان فواجه القدر ذاته عندما اعترض أكثر من مرة على سياسات الحكومة ودخل السجن جراء ذلك، ولا يزال موقفه ضد تغيير الملك فؤاد للدستور عام 1930، أحد تلك المواقف التي لم تمح من الذاكرة المصرية والعربية.

عند مراجعة أكثر من ثمانين كتاباً ألفّها صاحب "عالم السدود والقيود" بعد عقود على رحيله، فإننا لن نمسك على مقاربات نقدية معمقة في بعضها، وسنجد مقولات تبريرية في بعضها الآخر تخالف ما نظّر به وهو امتلك معرفة واسعة وتناولاً مختلفاً في آرائه العديدة المستندة إلى علم النفس وفلسفة الجمال.لكن العقاد سيبقى نموذجاً لذلك الخارج عن مألوف العامة والخاصة، في مرحلة كانت تعيشها فيها مصر والعالم العربي تداعيات نهضة مجهضة حاول هو وآخرون استعادة توازنهم وتوازن الأمة، وكان جوهر ذلك إيمانه بالتعدد ورفضه لأحادية التفكير التي عبّر عنها في كتابه "الحكم المطلق في القرن العشرين" بقوله "فإذا بطل إيمان الناس بقداسة الديمقراطية — مجازاً أو حقّاً — فمن المقرر القطوع به أنهم لا يرجعون إلى الإيمان بقداسة المستبدين وما يزيفونه من الدعاوى والجهالات".

 

من نفس القسم الثقافي