الثقافي
الفنانة صونيا توارى الثرى بالجزائر العاصمة
عن عمر ناهز 65
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 ماي 2018
تم تشييع جنازة الفنانة صونيا التي وافتها المنية أمس أول عن عمر ناهز 65 بمقبرة سيدي رزوق في ضواحي الجزائر العاصمة بحضور حشد كبير، وعرفت مراسم تشييع جنازة الفقيدة التي جرت في جو حزين, حضور جمع غفير من المواطنين وعدد كبير من الوجوه الفنية من أصدقاء الفنانة صونيا (سكينة مكيو) و رفقاء دربها ومحبيها الذين رافقوها الى مثواها الأخير، وحرصت وجوه من المسرح و السينما و كذا وزير الثقافة عز الدين ميهوبي على القاء نظرة اخيرة على جثمان الفقيدة و اشادوا بذاكرة هذه المرأة الكبيرة للمسرح الجزائري.
تأسف الممثل صالح اوغروت, الوجه الشعبي للشاشة الصغيرة لفقدان "هذه المرأة العظيمة للمسرح الجزائري" التي ميزت السينما ايضا ببصمتها.
واستحضر الممثل السينمائي حسان كشاش الذي شارك الفقيدة التمثيل في فيلم "في انتظار عودة الخطاطيف" للمخرج كريم موساوي, ذاكرة صونيا بالقول انها "فنانة موهوبة" و "ملتزمة" في صالح الثقافة و الفن، وأضاف ان فقدانها "هو خسارة كبيرة للسينما و المسرح" الجزائريين اللذين "استمرت في خدمتهما حتى في الاوقات الصعبة لتاريخ الجزائر".
وتأسف من جهته الممثل و المخرج احمد بن عيسى لفقدان فنانة تقاسمت خشبة المسرح مع كبار اسماء الفن الرابع الجزائري.
وأشاد وزير الثقافة و الاتصال السابق حمراوي حبيب شوقي بذاكرة "امرأة رائعة" و فنانة "ذات موهبة لا مثيل لها", حيث أعطت بتواجدها على الخشبة "درسا في المقاومة في وقت كان البلد يعيش في خطر".
وتأسف من جهته وزير الثقافة الحالي عز الدين ميهوبي في برقية تعازي لفقدان "فنانة كرست حياتها للفن و الابداع و لخدمة الثقافة", مشيدا "بالتزام صونيا العميق" من اجل الثقافة و حقوق المرأة.
ولدت الفقيدة سنة 1953 بولاية سكيكدة و قامت بأول خطاها المسرحية و عمرها 17 سنة و بعد ان تلقت تكوينا في المعهد الوطني للفنون الدرامية و العرض الذي تحول سنة 1970 الى المعهد العالي لفنون العرض الذي تحصلت على شهادة منه سنة 1973، وعلى مدار أكثر من أربعة عقود قدمت صونيا أزيد من خمسين عملا مسرحيا منهم "قالوا لعرب قالوا" و "فاطمة".
وبقيت صونيا مؤسسة الفرقة المسرحية "مسرح القلعة", تشغل الخشبة خلال سنوات التسعينات متحدية الارهاب و الموت التي خطفت اوجه بارزة للمسرح الجزائري اختالتهم ايادي المناهضين للثقافة، واخرجت صونيا خلال العشرية السوداء أعمال على غرار مسرحية "حضرية والحواس" و "الصرخة".
وكان آخر عمل قدمته صونيا للمسرح "حدة" سنة 2015، وشغلت صونيا منصب مديرة بالمعهد العالي لمهن فنون العرض و مديرة المسرحين الجهويين لعنابة و سكيكد، وأحيلت الفنانة على التقاعد سنة 2015 لتكرس وقتها للكتابة و ايضا للسينما حيث كان آخر ظهور لها في فيلم "في انتظار عودة الخطاطيف" (2017) للمخرج كريم موساوي، وسيظل الجميع يذكر صدى صيحاتها في المسرحيات التي قدمتها, وسيبقى ايقاع الفنان الذي يتنزل من فمها عالقا في الأذهان, حركاتها المرتبة باعتناء, شموخها وهي تعتلي الركح وابتسامتها التي تأتي في الوقت المناسب.
ولدت صونيا واسمها الحقيقي سكينة مكيو مرتين: مرة في 31 جويلية 1953 وولادة كبرى على الخشبة التي منحتها حياتها ونالت منها مجدا وعمرا مضاعفا, ومنذ مسرحيتها الأولى "السوسة" إلى غاية "حدة" حافظت الراحلة على خطابها المسرحي الجزائري في كل مرة وجنبته السقوط في الابتذال والتكرار رغم أن قضيتها كانت دائما الإنسان الجزائري وكرامته.
تخرجت من معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان سنة 1973 وبعد ثلاثين سنة عادت لتديره, في تجربة فريدة أثبت من خلالها أن الفن يحتاج إلى فنانين لتسييره وتقويمه, وخلال ذلك لم تنأ عن الركح فاعتلته إلى جانب مصطفى عياد في عمل مشترك اخراجا وتمثيلا هو "بدون عنوان"، تجربة التسيير التي وفقت فيها جعلتها تتنقل بين مسرحي عنابة وسكيكدة الجهويين وتعيد إليهما ألقا افتقداه, هكذا ستصبح نجمة في كل المراتب من التمثيل إلى الإخراج وحتى التسيير, وتؤسس كل رؤاها على أولوية الفني والمسرحي على كل شيء.
أزيد من خمسين عملا مسرحيا في ريبرتوار المسرح الجزائري, ولكنها ليست أعمالا عادية, فكل عمل قدمته صونيا أو شاركت فيه كان عتبة من عتبات المسرح الجزائري وصانعا للفارق, إنها السيدة التي منحت حظ المشاركة في التأسيس لأهم لحظات المسرح الجزائري منذ البداية، ولا أحد من عشاق المسرح ينسى الأوقات الجميلة التي أهدتها عروض مثل "قالوا لعرب قالوا" و"بابور غرق" و"العيطة" و"فاطمة" بل إن غناء صونيا في "قالوا العرب" وهي تؤدي دور رواية استثنائية تضرب الدف عالق بالأذهان, تماما كغنائها راوية إلى جانب الراحل الكبير الآخر عز الدين مجوبي في "العيطة" وأعلاهما الكبير الراحل أمحمد بن قطاف.
قدر صونيا جعل الأوجاع التي تمر بحياتها تتحول إلى أفراح لجمهورها, فالفرجة والبهجة اللتان صنعتهما وأهدتهما الجمهور الجزائري لعقود كانتا من أعماقها الصادقة, ولكن أيضا من فرصة العمل إلى جانب عناوين كبيرة من قبيل مجوبي وبن قطاف وزياني شريف عياد وعبد القادر علولة وأسماء أخرى في أصعب فترات الوطن في التسعينيات اختارت صونيا البقاء وناضلت لتعيد الفرح والحلم عبر المسرح, وقدمت بكثير من التحدي "الصرخة" و"حضرية والحواس" وكأنها تقول أن الظلام ينقشع كلما علا صوت الفن والجمال أكثر، ولم تكن صونيا تهتم كثيرا بالعالم خارج المسرح, كان حياتها وفرحها وطريقتها في القول, لقد رددت مرارا "اريد ان ابني مسرحا في كل شارع", رغم ذلك جربت السينما والتلفزيون وكان لها دور في فيلم "طبيعة الحال" للمخرج كريم موساوي.
انسحبت صونيا من الأضواء, وأنزلت ستار العرض قبيل وفاتها, رفضت أن تظهر للعلن على طريقة النجمات الايقونات, وحافظت على صورتها المتألقة وواجهت ألمها بكثير من الشجاعة والكرامة, كأنها تؤدي بطولة مطلقة وبكثير من الصدق غادرت الحياة.
مريم. ع