الثقافي

مكتبة في الشارع... مبادرات جزائرية

بعض المبادرات الشبابية تسعى إلى إعادة الروح إلى هذا القطاع

تتراجع القراءة في الجزائر شأنها شأن دول عربية أخرى، لكنّ بعض المبادرات الشبابية تسعى إلى إعادة الروح إلى هذا القطاع في أكثر من مدينة وبلدة جزائرية، تكسر مجموعات شبابية الصورة النمطية المرسومة عن فئة الشباب في المجتمع كجيل غير مثقف، من خلال تنظيم فعاليات ثقافية بمبادرات وإمكانات ذاتية، منها مبادرات مكتبات الشارع، بالإضافة إلى المقاهي الثقافية للتشجيع على القراءة.

قبل غيرها من المدن، برزت في مدينة البويرة بالقرب من العاصمة الجزائرية، تجربة مكتبة الشارع، عندما بادر شباب إلى تعليق خزانة صغيرة في عمود، تحوي كتباً، تحث المواطنين على قراءة الكتاب أو استبداله تحت شعار: "خذ كتاباً وضع آخر".انتقلت التجربة نفسها لاحقاً إلى مدينة فرجيوة بولاية ميلة شرقي الجزائر، حيث بادر شباب مثقفون إلى وضع خزانة كتب، تتيح للجميع إمكانية الاستبدال. وطرحت جمعية "بسكرة تقرأ" الثقافية في شارع المدينة خزانة تضم كتباً للمبادلة. كذلك، وضعت خزانة مماثلة فيها كتب، وسط مدينة عنابة شرقي الجزائر. وشهدت مدينة قسنطينة التجربة نفسها، لكنّ ضعف الالتزام المجتمعي جعل التجربة في المدينة الأخيرة تفشل اذ أفرغت المكتبة الصغيرة من الكتب التي أخذها بعض المواطنين من دون تعويضها أو إعادتها بعد قراءتها.

يعلق الناشط أياد كفيف على المبادرة: "البويرة هي الولاية الأولى التي خرجت منها هذه الفكرة الممتازة. نتمنى أن تعم في كلّ الولايات، وعلى الرغم من أنّ التحكم فيها صعب نوعاً ما فإنّ هذه التجربة مهمة". يدعو الشباب إلى مزيد من دعم الفكرة حتى لا تفشل.

مدينة باتنة شهدت هي الأخرى مبادرة شبابية، رفع القائمون عليها شعارات "نقرأ لنرتقي". واستغلت في المبادرة محطة حافلات، لتجهيز ركن داخلها برفوف كتب، لتكون بتصرف المسافرين خلال فترة الانتظار. بالإضافة إلى ذلك، زينت المحطة بمجسم لكتاب كتب عليه "باتنة تقرأ".

في مدينة الأغواط، بادر شباب إلى وضع خزانة على متن دراجة تضمّ مجموعة من الكتب المتاحة للجميع. وهي تجربة تستهدف الإثراء الثقافي من جهة، وتشجيع المواطنين والمثقفين على وضع مكتباتهم الخاصة أو جزء يسير منها تحت تصرف العامة.

في منطقة تقرت، أقصى جنوب الجزائر، ينجز شباب مولعون بالكتب والكتابة، التجربة نفسها مع اختلافها في الشكل، إذ تتصل بزرع المكتبات في الفضاءات العامة، وحث المقاهي على إدخال الكتاب إلى فضائها، بما يسمح للزبائن بارتشاف القهوة وقراءة الكتب، وهو ما يعطي المقاهي نكهة ثقافية ويعيد الحيوية الثقافية إلى المدن، ولتصبح القراءة ضمن السياق اليومي للإنسان الجزائري. يقول الشاعر لخضر سعداوي، وهو مؤسس المشروع في إطار اتحاد الكتاب الجزائريين إنّ "مبادرة زرع المكتبات في المقاهي تجربة فريدة تقضي بتحويل المقهى من فضاء اجتماعي إلى فضاء ثقافي أيضاً، يمكن أن يشكل مساحة للكتابة والقراءة والتواصل بين الفاعل الثقافي والمستهلك للثقافة، في شكل كتاب أو ندوة ثقافية" مشيراً إلى أنّ التجربة كللت بإنجاز أكثر من مقهى ثقافي في المدينة.

كرست هذه التجربة حالة ثقافية تطورت إلى تشجيع الأطفال على القراءة في الفضاءات العامة عبر تظاهرة "الشارع يقرأ" التي نظمها نفس الفاعلين في مدينة تقرت الصحراوية، والتي تعد واحدة من المدن السياحية الجميلة في الصحراء. وفي رأي كثيرين فإنّه لم يكن ممكناً في الماضي القريب رؤية مثل هذه المشاهد الثقافية في الشارع الجزائري، لكنّ الموقف تغير، إذ باتت مشاهدة مكتبات صغيرة متاحة للعموم في الشارع مصدر فخر وسعادة بالنسبة للمثقفين الجزائريين. في هذا السياق، يقول الكاتب هيثم زيان: "اليوم أصبحنا نفتخر أنّ لنا مكتبات في الشارع... الكتاب لم يعد ذلك الكائن الغريب الذي ينزوي في غرفة مظلمة، ومن الواجب شكر كلّ من عملوا على نشر فكرة مكتبات الشارع، والشكر لكلّ من سيقوم بإنشاء مكتبة في مدينته".

اللافت أنّ مثل هذه المبادرات الشبابية تأتي في وقت تتراجع فيه الجزائر على مستوى القراءة بفعل غياب المكتبات المدرسية، وتحول معظم المكتبات التجارية إلى مطاعم مأكولات سريعة ومحال لا علاقة لها بالكتاب، بالإضافة إلى عدم فاعلية المكتبات الموجودة داخل المراكز الثقافية ودور الشباب بسبب عدم تجدد العناوين والكتب فيها، ونقص الموازنات المخصصة لذلك، وضعف تأهيل المشرفين عليها، إذ غالباً ما تدار بطريقة لا تتناسب مع كونها فضاء ثقافياً وفكرياً. وهي مبادرات لها آثار إيجابية أخرى مثل تزيين الأحياء والشوارع وطلاء المدارس وتنظيف المقابر ومساعدة المحتاجين وغيرها.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي