الثقافي
صدر قديماً: "حياتي" وقاهرتان في حياة أحمد أمين
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 أفريل 2018
يمكن اعتبار كتاب "حياتي" للكاتب والمفكّر المصري أحمد أمين (1886 - 1954)، والذي صدر في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، إحدى العلامات المهمّة في إبراز ذلك التناقض بين التقليد والتحديث الذي عاشه جيله.الكتاب وهو سيرة ذاتية بالأساس، يتصدّر كواجهة زجاجية لمعرض نطلّ من خلاله على حياة مصر الاجتماعية والثقافية والعقلية، وقليلاً من حياتها السياسية، نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين وقت كتابة أمين لكتابه ونشره.
كذلك نطلّ عبره على تلك المراوحة بين المدنيّة كما أسماها صاحب "فجر الإسلام" والتمترس بالقديم، والتي لم تقف عند حدود الشخصي في حياة صاحبنا، بل تجاوزته إلى مفردات الحياة المصرية بعمومها، من أول نظام السكن وجريان المياه فيه، وتصميم الملابس، والمركبات، والطرقات، إلى أنظمة التعليم والتدريس، وحتى التفاضل بين اللغات التي يُتعلّم بها.
يقف أمين بين كل ذلك موقفاً يحاول أن يكون موضوعياً، وإن سادت فيه نبرات التردّد والاستكشاف، فهو مثلاً إذ ينتقد سوء نظافة وقبح الحارة التي نشأ وسكن فيها طفلاً مع أهله، والتي كانت كفيلة بأن تميت في نفسه كل شعور بالجمال، فإنه يحمد لأهلها أنهم لم يتخلقوا بعد بالأخلاق الأوروبية التي بدأت تنتشر في ربوع المحروسة وهو الذي وُلد بعد الاحتلال الإنكليزي لمصر بسنوات قليلة، حيث لا يقدّر أحد جاره ولا يهتم بشأنه.
هذا الموقف المراوغ بين ما "عندهم" و"عندنا"، على بساطته ما بين أخذ وردّ، طبع حياة الكاتب المصري وحياة جيله، وانسحب على مجمل آرائهم في قضية القديم والجديد: يرتدي الجلباب والطاقية ويذهب للكتّاب، ثم يخرجه أبوه ملحقاً إياه بمدرسة نظامية على النمط الحديث أنشأتها وقفاً أم الخديوي عباس حلمي الأول فيخلع على أثرها الجلباب ويرتدي البذلة والطربوش، ثم يتحيّر أبوه أيَّ طريق يختاره لتعليم ولده، الأزهر أم المدرسة، فينحاز أخيراً للنشأة الدينية ويلحق ابنه بالأزهر ويُلبسه "الجبّة والعمّة والمركوب بدل البذلة والطربوش والجزمة"، وقد يفسّر هذا مثلاً ما لاقاه صاحب "ظُهر الإسلام" من صعوبات حالما قرّر الزواج حوالى العام 1916 وهو لم يكمل بعد عامه الثلاثين، فأكثر من مرة يرفض طلبه حالما تعرف العروس المرتقبة وأهلها أنه معمّم!كان أمين وقتها لا يزال أستاذاً في مدرسة القضاء الشرعي ويرتدي زياً أزهرياً كاملاً. يعلّل أمين ذلك الرفض بقوله "فذو العمامة في نظرهم رجل متديّن، والتديّن في نظرهم يوحي بالرجعية والحرص على المال ونحو ذلك من معانٍ منفّرة، والفتاة يسرّها الشاب المتمدن اللبق المساير للدنيا اللاهي الضاحك".