الثقافي

دوستويفسكي في عامه الأخير.. هاوية السلطة والثورة

على الرفّ

لطالما شغل الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي (1821 – 1881) النقّاد والمحللين النفسيين والمؤرخين في محاولة لفهم تلك الشخصية المضطربة؛ سواء في علاقته بالسلطة التي تمرّد عليها ذات يوم ثم عاد لينتصر لها وفق يوتوبيا يؤمن بها وحده تتضمّن طروحاته حول الإصلاح والعدالة، أو إيمانه الديني الذي يتماهى مع "اشتراكية" لا تعني أحداً غيره، وانتهاء بهاجس الموت الذي ظلّ يصارعه طيلة حياته.المقارنات الدائمة بين كتاباته وبين تاريخه الشخصي لم تأت اعتباطاً، فربما تفرّد عن ألدّ منافسيه تورغينيف وتولستوي في زمانه؛ بأنه لم يأبه مطلقاً لفكرة القبول الاجتماعي، يتحدّث مع نفسه ومع المقرّبين منه وفي اللقاءات العامة بالحرارة والأفكار والجرأة ذاتها، وكان يعتقد أن مصيره كفرد والمآلات التي تحكم مجتمعه ودولته متطابقة إلى درجة لا يمكن الفصل بينها، وهذه ليست دراما من صنع مخيّلته بقدر ما استطاع أن يحظى بمكانة وتأثير تجلّيا في موكب جنازته.

لم تخرج جنازة أكبر قبلها في تاريخ روسيا القيصرية، ثلاثون ألفاً من رجال الحكم والكنيسة وأتباع التنظيمات الثورية السرية التي عادى صاحب "الشياطين" عنفها بكلّ أشكاله، سار كل فريق منهم خلف نعشه رغم عدم اتفاقهم على آرائه ومواقفه، بل تنازعوا عليها فوق قبره وظلوا يختلفون حولها حتى اليوم، بينهما قرّر في لحظة غامضة أن يتركهم ويذهب نحو موته وهو يردّد في شهوره الثلاثة الأخيرة أن انعطافة كبرى ستقع عمّا قريب في بلاده وفي العالم أيضاً.

يستعيد المؤلف التحوّلات الأساسية التي شهدتها سيرة صاحبها منذ أن أصدر روايته الأولى "المساكين" وينضمّ بعدها إلى "جمعية بتراشيفسكي" السرية التي تبنّت رؤية راديكالية للإصلاح، ليلقى القبض عليه عام 1849 ويحكم عليه بالحبس في سجن الأشغال الشاقة في سيبيريا لمدة أربع سنوات ثم بالخدمة جندياً، وهناك في معتقله سيعيد النظر في قناعاته السالفة ويخلص إلى استنتاجات معاكسة تماماً.لا يركن فولغين الذي تخصّص في أدب دوستويفسكي وحياته إلى هذه المقولة المبسّطة، إذ يشير إلى أن "استبصاراته الروائية العبقرية تفسَّر بالقوة الإبداعية العمياء الفاعلة على الضدّ مما نشأ لديه من أسلوب في تأمل العالم"، وأن "مجمل تأملاته تلوح اليوم أكثر تكاملاً واتزاناً، كجملة موحّدة داخلية".

 

من نفس القسم الثقافي