الثقافي

"الحياة السياسية السورية": مشهد مئة عام

على الرفّ

يحضر سؤال أساسي في معظم الدراسات التي تناولت تاريخ سورية الحديث، حول تبلور الوطنية وانعكاساتها على تشكيل الدولة والحياة المعاصرة، حيث تنازعت منطقة بلاد الشام في معظم الحقب صراعات كبرى منعت في كثير من المرات وجود دولة مركزية قوية.

في كتابه "مدخل في الحياة السياسية السورية: من تأسيس الكيان إلى الثورة" الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، يقارب الباحث السوري شمس الدين الكيلاني إشكاليتين تتعلّقان بالاندماج أو التفكّك الوطني في حياة السوريين، والحياة الدستورية ومدى نفوذها في التاريخ السوري، بطريقة تجعل منها أرضية صالحة للبناء عليها.

يتناول الفصل الأول "النواة المؤسسة للكيان - العهد الفيصلي" المؤتمر السوري العام الذي صدر عنه وثيقتان مهمتان بعد دخول الأمير فيصل إلى دمشق عام 1918، لخصتا تمسّك السوريين بأن تكون حكومة هذه البلاد السورية ملَكية، مدنية، نيابية، تدار مقاطعاتها على طريقة اللامركزية الواسعة، وتحفظ حقوق الأقليات، وعكست قراراته الجوانب الديمقراطية من خطاب النُخب السورية المدينية.

"الحياة السياسية السورية في ظل الاحتلال الفرنسي - صعود الوطنية السورية" عنوان الفصل الذي يلقي الضوء على النضالات التي فرضت وحدة سورية في حدوها الحالية، بينما يرصد الفصل الثالث "الكتلة الوطنية والفوز بالاستقلال الوطني والديمقراطية وتهديد العسكر" التغيّرات من حالة الاستقرار بين عامي 1927 و1949 وصولاً إلى عهد الانقلابات وتواطؤ النخب السياسية وتكيّفها ومقاومتها لها.

يتحدّث الفصل الرابع "عهد ديمقراطي يُفضي إلى الجمهورية العربية المتحدة وجمود الحياة السياسية" عن فترة الوحدة مع مصر وأثرها على حزب البعث، ويذهب "الفصل الخامس، مرحلة ليبرالية على عجل (1961 – 1963)" إلى مقاربة الانفصال عن مصر وعودة الحياة البرلمانية والحريات العامة في مناخ سياسي مضطرب ومتقلّب، أما الفصل السادس "حركة 8 آذار/ مارس والتحوّل نحو التسلطية" فيناقش استيلاء اللجنة العسكرية للبعث على الحكم وخطابها السياسي وعلاقاتها الإقيلمية وازدواجية السلطة داخلها.

في الفصل السابع "الأسد -الحركة التصحيحية: مجتمع تحت المراقبة والعقاب والرعب" يعاين المؤلّف كيفية بناء صرح النظام التسلّطي بعد هزيمة حزيران وإفقار الدولة والمجتمع، فيما يروي الفصل الثامن "الأسد الابن بين إجهاض ربيع دمشق وانفجار الثورة" مواقف أكاديميين ودبلوماسيين سابقين ومثقفين من التحوّلات السياسية التي غيّبت الشعب، والمحاولات اليائسة للمعارضة السورية في ترتيب بيتها: إعلان دمشق أنموذجاً، ويرى الكيلاني في الفصل التاسع "ثورة الكرامة والحرية" أن الثورة السورية تفجرت في خضم حركة الربيع العربي، ولأسباب اجتماعية وسياسية داخلية عميقة الجذور، وتحدث أيضاً عن بروز مراكز جديدة للقيادة، والتظاهرات الاحتجاجية، وبحث الثورة عن قيادة جامعة.

يعرض الفصل العاشر "المجلس الوطني السوري "تجربة أول كيان تمثيلي للمعارضة السورية، وكان يشكل إطاراً موحداً للمعارضة السورية، يضمّ الأطياف السياسية كلها، من الليبراليين إلى الإخوان المسلمين، ولجان التنسيق المحلية والأكراد والأشوريين، والعنوان الرئيس للثورة السورية، "غير أن آلية عمل المجلس المؤسسة على قاعدة التوافق والتوازن والمحاصصة بين مكوناته المختلفة عطلت دينامية انطلاقه وطبعت أداءه بالرتابة""، بحسب المؤلّف، في الفصل الحادي عشر والأخير "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، يشير إلى تداعي فصائل المعارضة السياسية والقوى الثورية التي تناضل للانتقال نحو دولة ديمقراطية مدنية تعددية قوية ومستقرة، كي تلتقي في إطارٍ قيادي جامع، وولادة الائتلاف الوطني ثم تراجع دوره.

 

من نفس القسم الثقافي