الثقافي

فوزي بن براهيم.. استكشاف العقل في مصحّة نفسيّة

من خلال عمل مسرحي يحمل عنوان "انتحار الرفيقة الميتة" يعرض حاليا في عدة مسارح

اختار المخرج المسرحي الجزائري فوزي بن براهيم (1985) رواية "فيرونيكا تقرّر أن تموت" للروائي البرازيلي باولو كويلو ليحوّلها إلى عمل مسرحي يحمل عنوان "انتحار الرفيقة الميتة"، يتنقل حالياً في ولايات جزائرية عدّة في جولة تتواصل حتى مطلع مارس الداخل.

عن الاقتباس الذي كتبه وأعدّه للخشبة محمد عدلان بخوش يقول المخرج في حديث لـ"العربي الجديد" إن "النص يتقاطع في أسئلته مع أي مجتمع، فهي أسئلة عن ماهية الحياة، لماذا نعيش؟ وما هي السعادة؟"، لكن ذلك لا يمنع، وفقاً لـ بن براهيم، من أنه حمّل الحوارات بعض الرموز التي تُحيل إلى المجتمع الجزائري، وتقرّب العمل من المتفرّج المحلي ليتماهى معه. ولأن أحداث العمل تدور حول محاولة انتحار تنتهي بصاحبتها إلى مصحّة للمجانين، يشرح بن براهيم: "طرح الانتحار لا يحمل بالضرورة المعنى البيولوجي، ثمّة فكرة تنتحر، وثمّة رغبة تنتحر أيضاً".

شخصيات عدة تحضر على الخشبة، تظهر من خلالها شرائح مختلفة من المجتمع، من خلال شخصيات نزلاء المصحّة، التي نجد بينها الإنسان البسيط، والفنان، والعسكري، والطبيب. على الرغم من وجودها في المصحّة لكن المخرج يرى أن "الشخصيات ليست مجنونة، وليست عاقلة أيضاً، وهذه هي الحالة الجمعية، حيث يملك كل منا مقداراً من الجنون بشكل أو بآخر".

لكن جنون هذه الشخصيات نابع من الأسئلة المختلفة التي تطرحها وفي مخالفتها الواقع السائد، من هنا تدور تلك الحوارات الرمزية التي تحمل في طياتها المحاورات الكبرى التي يخوضها الإنسان المعاصر مع نفسه، حول كيفية الاستمرار في العيش مع كل هذا الخراب من حولنا. يوضح بن براهيم: "الشخصيات حين تلتقي بـ"رفيقة" تغيّر فيها، وتنجح فعلاً في تغيير نيتها بالانتحار، تلفت انتباهها إلى البحث عن السعادة في أشياء بسيطة".

قسّم المخرج الحوار إلى قسمين؛ جزء منه بالفصحى وهي لغة "رفيقة" (تلعب دورها كنزة بوساحة) الشخصية الأساسية في العرض، أما باقي الأدوار فتتحدّث شخصياتها باللهجة الجزائرية؛ هاجر سيراوي (زهوة)، ورمزي قجة (عبدو)، وعلي ناموس (الطبيب)، ومحمد نجيب بوسواليم (سيراج)، وبلال لعرابة (محسن)، وآمال دلهوم (الطبيبة)، وأحمد قوادري (رجل الأمن).

ثمّة أكثر من حيلة مسرحية في العرض، فبدءاً من محاولة الانتحار تنطلق رفيقة في رحلة جديدة مع "المجانين"، باعتبار أن الموت كان بداية لحياة أخرى للأفكار واستكشافاً للعقل في مصحّة الأمراض النفسية، لنكتشف في النهاية أن رفيقة تمثّل دوراً بعد أن تأثّرت بشخصية فيرونيكا في رواية كويلو.

"إلى أي نوع من المسرح تنتمي؟" نسأل بن براهيم الذي يقول إنه يوظّف أكثر من مدرسة إخراجية، لكنه يفضّل المسرح الرمزي والفلسفي، الذي يعتمد على الجسد، ويميل إلى الكوميديا السوداء البعيدة عن صنعة الفرجة والرتابة والأدلجة.

وفي سؤال عن المشهد المسرحي الجزائري، يجيب بن إبراهيم: "الجزائر كبيرة جداً، وأكاد أجزم أن 90% من الإنتاج المسرحي مدعوم من الدولة، ثمّة طاقات شابة في التمثيل والسينوغرافيا والموسيقى والإخراج، لكن المشكلة أن هذا الجهد الكبير ليس مقنّناً، ثمة إنتاج غزير لكن لا توجد آليات تقديم وتسويق لهذا الإنتاج".

ورغم تواصل عروض "انتحار الرفيقة الميتة"، إلا أن المخرج اشتغل بعدها على مسرحية "العطب" للكاتب السويسري فردريش دورينمات (1921-1990) والتي عرضت سابقاً وستعرض في آذار/ مارس المقبل. والعمل هو نص سوداوي يقوم على المحاكمات النفسية، لكن بن ابراهيم ترك للكاتبة نوال كعباش حرية اقتباسه، فخرج النص الجزائري متخففاً إلى حد ما من ثقل النص الأصلي مستخدماً مستويات مختلفة من الكوميديا. كما يعمل المخرج حالياً على عمل ملحمي بجموع من الممثلين يصل عددها إلى 150 ممثلاً، وهو عرض عن الثورة الجزائرية من كتابة رابح ظريف، وسيقدم على المسرح في التاسع من نيسان/ أبريل المقبل.

مريم. ع/الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي