الثقافي
الجزائر ما تزال تلاحق الكتاب الفرنسيين
الكاتب جان - نوال بانكرازي في روايته الجديدة... "صرخة حب للجزائر"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 فيفري 2018
خلال السنوات الماضية، صدرت العديد من الروايات التي تعكس العلاقة المعقدة التي تربط الفرنسيين بحلمهم المفقود الذي هو الجزائ، ومؤخرا أصدر الكاتب جان-نوال بانكرازي المولود عام 1949 في قرية صغيرة قرب مدينة سطيف رواية قصيرة حملت عنوان “كنت أرغب في أن أقول لهم إني أحبكم”، وفيها يستعيد ذكرياته قبل أن تجبر عائلته على مغادرة الجزائر في صيف عام 1962.
وقبل ذلك كان قد أصدر ثلاث روايات تتطرق إلى نفس الموضوع. ففي “مدام أرنول” يصف العلاقة الروحية بين طفل وسيدة من منطقة الألزاس خلال الحرب الجزائرية. وفي “الإقامة الطويلة”، يتطرق إلى فصول من حياة والده في جبال الأوراس التي اختار الاستقرار فيها رغم قسوة طبيعتها. وفي “الجبل” هو يرثي أصدقاء له من الجزائريين والفرنسيين قتلوا خلال الحرب الجزائرية.
ولكي ينسى الجزائر وجراحها، تنقل جان-نوال بانكرازي كثيرا عبر العالم. فقد عاش في منطقة البحر الكاريبي، وفي البعض من البلدان الأفريقية، وفي أماكن أخرى. إلا أن الجزائر ظلت تلاحقه فلم يتمكن من الفكاك منها أبدا. وللتعبير عن ضيقه من هذه الملاحقة المستمرة، صرح ذات يوم قائلا إنه لم يعد “يتحمل الحفر في الماضي البعيد”، ولم يعد يطيق “الحنين المر” لأماكن وشخصيات، ولم يعد بمقدوره استحضار وجوه عرفها في طفولته في قرية صغيرة في جبال الأوراس، أو في مدينتي سطيف وباطنة. إلا أن دعوة لحضور مهرجان عنابة السينمائي في عام 2015 كعضو في لجنة التحكيم أعادته إلى ماضيه الجزائري، وفجر ت فيه ذكريات كان يظن أنها انطمست وإلى الأبد.
وفي “كنت أرغب في أن أقول لهم إني أحبكم”، يروي جان-نوال بانكرازي تفاصيل عودته إلى “موطنه الأول”. ففي عنابة فضل أن يعيش مع الناس البسطاء، ومع الأطفال العاشقين مثله للسينما، ومع العاطلين عن العمل، ومع شعراء يعيشون على الهامش.
الأوقات التي أمضاها معهم أعادته إلى طفولته الأولى. ففي تلك الفترة، كان يعشق السينما، ويحب التردد على قاعة “الكوليزي” في باطنة لمشاهدة أفلام الوستارن، وأفلام شارلي شابلن الذي يعتبره “عبقرية مطلقة”، وأفلام الواقعية الإيطالية. وكان يجمع صور نجوم هوليوود ليزيّن بها جدران غرفته. ومع الأطفال الفرنسيين والجزائريين، كان يمضي أوقاتا بديعة في استحضار مشاهد مثيرة من هذا الفيلم أو ذاك. وكم كان يحب أن يروي لوالدته أحداثا من الأفلام التي كان يشاهدها.
ويزداد جان-نوال بانكرازي توغلا في الماضي عندما يدعوه أصدقاؤه الجزائريون في عنابة لزيارة القرية الفقيرة التي فيها ولد ونشأ. عندئذ تتهاطل الذكريات مثل مطر غزير فلا يستطيع لها ردا.
والوجوه القديمة تبرز لحظتها من جديد ليرى والده يرجف رعبا بعد أن غرقت الجزائر في الحرب، وتعددت عمليات التفجير في المقاهي، وفي المطاعم، وفي قاعات السينما، وفي الأحياء الفرنسية في المدن الكبيرة. وفجأة اختفى جيران لهم من الجزائريين ليعلم في ما بعد أنهم التحقوا بجبهة التحرير الجزائرية.
ولا يروي جان-نوال بانكرازي ذكريات الماضي دفعة واحدة، بل يتوقف من حين لآخر ليصف مشهدا، أو ليروي حدثا من الحاضر. وتبدو رواية “كنت أرغب في أن أقول لهم إني أحبكم” كما لو أنها “صرخة حب للحياة” رغم كل ما فيها من فواجع، ومن مرارات.
مريم. ع