الثقافي

"مذكرات مالته": تاريخ العالم الذي أسيء فهمه

على الرفّ

في كتابه "مذكرات مالته لورديز بريغه" الذي يترجم إلى العربية للمرة الأولى، يكتب الشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه (1875 ـ 1926)، نصاً/ نصوصاً، تكشف عن رؤاه الأولى تجاه الفن والأدب والحياة في سردٍ ينطوي على تأملات نثرية وشعرية، ونظرة المؤرّخ إن جاز التعبير - الذي يمتلك قراءته النقدية الخاصة لمجريات الأحداث، ولا يخلو بالطبع من قدرة عالية على التخييل والوصف.

يشير أستاذ الأدب الحديث والمترجم الفلسطيني إبراهيم أبو هشهش، مترجم العمل الصادر مؤخرّاً عن "دار الشروق"/ عمّان - رام الله، والذي يطلقه مساء اليوم في "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة" في عمّان، يشير في تقديمه إلى أنه "من أهم الروايات الانطباعية في القرن العشرين، فقد مثّلت انقطاعاً عن التقاليد الروائية الألمانية الواقعية في القرن التاسع عشر..."، لكنه يشرح على نحو مفصّل ومعمّق بأنها "رواية وعي، وليست رواية حدث"، حيث يغيب عنها الحدث المركز والتسلسل الزمني لوقائعها، والأهم من ذلك كلّه أن "ريلكه لم يطلق على عمله هذا اسم رواية في أي مرة ذكره فيها في حواراته أو رسائله، بل كان يسمّيه دائماً "كتاب النثر" أو "كتابي النثري".

"لا يمكن القول إن ريلكه هو مالته، إلا أنه يمكن القول في الوقت ذاته إن مالته هو ريلكه في أحيانٍ كثيرة"، خلاصة يصل إليها أبو هشهش في معرض حديثه عن التشابه بين باريس التي أقام فيها ريلكه أول مرة بين عامي 1902 و1903، ومشاهداته وانطباعاته حولها، والتي تشترك في بعضها مع مذكرات مالته، التي شكّلت باريس مكاناً لكتابتها، إلى جانب تشابهات بين طفولة الاثنين وشبابهما، يستطيع القارئ أن يتلمّس بعداً آخر، وإن احتاج إلى بحث أطول، إذ يحيل الشاعر الدنماركي الشاب مالته في إقامته الباريسية إلى ريلكه نفسه، حيث ولد الأخير في براغ (عاصمة التشيك اليوم)، وكان مواطناً نمساوياً وقضى الجزء الأكبر من حياته متنقّلاً في أوروبا، إضافة لرحلتيه إلى مصر وتونس، حتى رحل في سويسرا بلا انتماء إلى وطن بعينه، فتبدو "المذكرات" مسرحاً لصراع أفكار حول الحداثة، التي شكّلت "الوطن" الذي جال فيه الاثنان منفصلان في واقعهما، إلى حد بعيد، بما تضمّنه من إخفاقات وانكسارات.

يستند العمل بشكل أساسي إلى فزع الشاعر من المدينة - يلفت المترجم إلى ذلك في مقدّمته، وهو ما يهمين على مذكراته ضمن سياقات متعدّدة؛ من بينها هذه المقاطع: "لقد فعلت شيئاً ضد الخوف، جلست الليلة بطولها وكتبت..."، وفي "الخوف من أن يصبح خيط صوفي قصير يبرز من هدب الغطاء صلباً، وحاداً مثل إبرة فولاذية..."، و"منذ ذلك الحين أخذت أفكر كثيراً في الخوف من الموت... كان يداهمني في المدن المكتظة، وسط حشود الناس، بلا سبب في معظم الأحيان".

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي