الثقافي

"إدوارد سعيد.. رواية فكره": لمن تُكتب السيرة؟

على الرفّ

في 2005، أصدر المؤرّخ الفرنسي فرانسوا دوس كتاباً بعنوان "التحدّي البيوغرافي.. كتابة الحياة"، يدرس فيه كيف جرى صياغة حياة مشاهير التاريخ، ويشير إلى أن عِماد هذه الكتابة هي "التكهّن"، فما هو ثابت وموثّق لا يفي بحاجة النص الذي يبتغي إعادة بناء سيرة حياة شخصية ما، وهذا التكهّن – وقابليته للتصديق – هو ما يسمّيه المؤلف تحديداً بـ"التحدي البيوغرافي".

"إدوارد سعيد.. رواية فكره" (بالفرنسية، منشورات "لا فربريك") عمل/ تحدِّ جديد حول سيرة المفكر الفلسطيني، صدر مؤخراً للكاتبة الفرنسية من أصول لبنانية دومينيك أودي (1953). العمل يجري تقديمه اليوم بداية من السابعة مساء في قاعة "لاكوني" في باريس.

بالإضافة إلى "التحدّي" بالمعنى الذي وضعه دوس، أي ملء فراغات السيرة، فإن فكر إدوارد سعيد يحمل جانباً إشكالياً في الساحة الفرنسية كفضاء تلقٍ، إذ لم يكن وصوله إلى فرنسا معبّداً، لاعتبارات كثيرة أولها أن كتابه المرجعي "الاستشراق" (1979) يتناول مسألة حساسة داخل السياق الفرنسي، فالاستشراق الذي ينقده قد جرت بلورته بين فرنسا وبريطانيا وهزّه يعني هزّ مسلمات بحثية وما يترتّب عن ذلك من تداعيات حول الأخلاقيات العلمية والتوظيفات السياسية للدراسات الشرقية.

ثانياً، عُرفت الساحة الفرنسية خصوصاً في القرن العشرين باكتفائها الداخلي ومركبات الفوقية الفكرية، وكثيراً ما قيل بأنه دون وجود مباركة من شخصية مرموقة في الداخل الفرنسي لما وصلت أعمال سعيد إلى الفرنسية. الناقد البلغاري الفرنسي تزفيتان تودوروف كان من قام بهذه المهمّة حين تكفّل بتقديم كتاب "الاستشراق"، وتعدّ مقدّمته تلك إلى اليوم مدخل الساحة الفرنسية إلى التمثّل النقدي الجديد للمسألة.

في المقابل، لم يكن سعيد غريباً عن التقاليد الفكرية الفرنسية، فهو بحكم انتمائه إلى الأجواء الأكاديمية الأميركية فقد اعتمد على منهجيات أصولها فرنسية؛ بالأساس الأركيولوجيا المعرفية من ميشال فوكو وتفكيكية جاك دريدا، ضمن ما عُرف بتأثيرات "الفرنش كونكشن" على الفكر الأميركي عموماً. نقطة لا تفوّت أودي في إضاءتها في عملها.

لكن كتابها يذهب أبعد من المنطوق الفكري لسعيد، حيث أنه كما تقول كلمة الناشر "يعالج فكر إدوارد سعيد من خلال متخيّله وحياته". وهنا تجدر الإشارة إلى أن أودي تأتي إلى هذا الكتاب من خلفيات سردية بالأساس، حيث تُعرف في الساحة الفرنسية أساساً كروائية، بالإضافة إلى ذلك كانت لها علاقة مباشرة مع إدوارد سعيد (استفادت من لقاءات شخصية معه في كتابها)، وقد ترجمت له نصوصاً إلى الفرنسية.

 

من نفس القسم الثقافي