الثقافي

صدر قديماً: "الشهداء الحميريون" لـ إغناطيوس يعقوب الثالث

على الرفّ

يتناول هذا الكتاب الأول من نوعه، والأخير على حد علمنا، أحداثَ الاضطهاد الذي أوقعه ملكٌ حميري بأتباع الدين المسيحي من الحميريين العرب، في نجران وبقية مدن وقرى جنوبي الجزيرة العربية، الممتدة في ما يعرف اليوم باليمن وعُمان.

مؤلف هذا الكتاب الصادر في دمشق عام 1966، تحت عنوان "الشهداء الحميريون العرب في الوثائق السريانية"، هو إغناطيوس يعقوب الثالث (1912-1980) بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، وعضو "مجمع اللغة العربية" في دمشق، المعروف، خلال فترة بطريركيته، بنشاطه في سبيل التقريب بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وكاتب أكثر من ثلاثين كتاباً حول موضوعات مختلفة، منها تاريخ المسيحية، والطقوس والتعاليم الدينية، وسيرة حياة عدد كبير من آباء الكنيسة، ودراسات مقارنة بين السريانية والعربية، جمعها في كتاب "البراهين الحسية على تقارض السريانية والعربية" (1969)، وما زالت محاضرته التي ألقاها في "جامعة غوتنغن" الألمانية عام 1971، مرجعاً مهماً للباحثين في تاريخ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وحظي بلقب "مكتبة الألحان" لأنه كان يحفظ ما يقارب 700 لحن كنسي من ألحان كتاب "بيت كازو" (بيت الكنز بالعربية).

وتُعدّ هذه الوثائق أوثق مصدر لمجريات هذا الاضطهاد بتفاصيله، إذ عالجتها يراعة معاصرة له بمنتهى التجرّد والنزاهة، فضلاً عن إلقائها أضواء الحقيقة على تقاليد اليهودية والدين المسيحي، وعلى امتداد جذورهما في جنوبي الجزيرة العربية في القرن السابق لقيام الرسول العربي، حيث كان كل منهما متمكناً فيها، بينما كان ظل وثنيتها يتقلص يوماً بعد يوم".

رسالتان وكتاب هما الوثائق المعنية. وكاتبهما هو مار شمعون السرياني، أسقف بيت آرشم، رئيس المؤمنين (الأرثوذكسيين) كما يوصف في بلاد الفرس بين عامي 503-540م، بالإضافة إلى تعقيب لمار يوحنا الآمدي أسقف أفسس (585م)، ونشيد كنسي نظمه مار يوحنا بسلطوس رئيس دير قنسرين (600م).

تتحدث الرسالة الأولى المعروفة عن وصول أخبار الأحداث المأساوية في اليمن عن طريقين، الأول عن طريق موفد إلى مجلس المنذر بن النعمان في الحيرة من قبل ملك الحمريين المضطهِد، يخبره فيها "أنه تملك على سائر بلاد حمير، وفكر قبل كل شيء في إبادة نصارى تلك البلاد الذين لا يتهوّدون مثله"، وأنه قضى على الحامية الحبشية التي تركت لحماية الكنيسة في ظفار، بالإضافة إلى إخباره بأمر مجزرته في نجران وإحراق كنيستها على من فيها. ويحرض المنذر في الختام على ألا يترك هو أيضاً مسيحياً في قومه إلا وقد كفر وصار من دينه.

والثاني عن طريق ساعٍ أرسلوه إلى نجران ليأتيهم بالخبر اليقين. فعاد ومعه أخبار تفصيلية ورسائل. يقول الأرشمي "ولما تُليت هذه الرسائل أمام الملك المنذر وأمام كثيرين، شمل المسيحيين حزن عظيم، فكتبنا حالاً صورتها وأرسلناها إلى محبتكم، ملتمسين أن تنقل هذه الأمور عاجلاً وسريعاً إلى الأساقفة.. وإلى رئيس أساقفة الإسكندرية، ليكتب بدوره إلى ملك الحبشة وأساقفتها لينجدوا الحميريين فوراً".

ويلفت النظر في هذه الرسالة قول كاتبها ".. وليعلم الأساقفة أيضاً، أن اليهود مستترون في ملاجئ كنائس الروم وهياكلهم، في حين أن رفاقهم يرتكبون جرائم في حق المسيحيين في بلاد الحميريين"، ويضيف: "إن أساقفة أبرشيات الروم كلها، السابقين منهم واللاحقين، طمعاً بالحصول على قيراط أو قيراطين، يؤجرون لليهود بيوت الكنائس والهياكل، ويسترونهم تحت راية الصليب".

وتضيف الرسالة الثانية التي يقول عنها بطريرك أنطاكية "لا عهد لأصحاب البحوث التاريخية بها حتى اليوم" معلومات أكثر. تقول هذه الرسالة "لما تملك هذا اليهودي (مسروق الحميري) كتب إلى حضرموت وحزبة وديار يدن وتمنة ونجران وغيرها من البلاد الخاضعة لسلطانه ليحضروا إلى ديار يدان، أما هو فتوجه إلى ظفار عاصمة الحميريين وحارب الأحباش الذين كانوا هناك.. وحين لم يقوَ عليهم بالحرب استسلموا له بالخديعة؛ أرسل لهم رسائل أمان، فخرجوا إليه مسالمين، فقتلهم جميعاً.. وأحرق الكنيسة، وأرسل رسلاً صحبة كهنة اليهود إلى البلاد الخاضعة لسلطانه لقتل المسيحيين أينما وجدوا، اللهم إلا إذا كفروا بالمسيح وتهوّدوا، وأمر أن يُحرق هو وبيته كل من يخفي مسيحياً، وأن يصادر كل ماله.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي