الثقافي

الجزائر حاضرة في "المهرجان الدولي لسينما المؤلف"

من خلال فيلم "في رأسي دوار"

تشارك الجزائر في المهرجان الدولي لسينما المؤلف في دورته الـ 22 في الفترة من 27 أكتوبر الحالي إلى الرابع من نوفمبر الداخل، والذي تحتضن العاصمة المغربية الرباط فعالياته، ويكرم المهرجان، الذي يتطلع إلى إشاعة قيم "تذوق الأعمال السينمائية ذات العمق الفكري والجمالي"، مجموعة من الأسماء العربية والأجنبية، من بينها الممثلة المصرية رجاء الجداوي والمخرج اللبناني كريستيان غازي، وستكون الجزائر حاضرة بـ" في راسي دوار ".

ويصعب تلمس فيلم "في رأسي دوّار" للمخرج الجزائري – الفرنسي حسن فرحاني (1986)، الحدود الفاصلة بين الواقعي والدرامي وبين الوثائقي والروائي، ويدخل بنا العمل إلى أماكن لم تزرها السينما كثيراً، مثيراً أسئلة تتجاوز النوع السينمائي، ويتشابك فيها راهن الجزائر بتاريخها ومستقبلها.

الجزائر في الفيلم الحائز على جائزة أفضل فيلم فرنسي في "مهرجان مرسيليا السينمائي" (2015)، ليست تلك المدينة الجميلة التي يمرّرها فرحاني كصورة يتيمة مأخوذة من الأعلى، حيث يظهر تناسقها المعماري المدهش وتكويناتها المتآلفة حّد الكمال.

لا يمكن أيضاً، حصرها بحكايات مهاجريها، ولا بسيَر البطولة ضد الاستعمار الفرنسي، ولا بعذاباتها الدموية خلال العشرية السوداء، ولا حتى بشقاء أهلها تحت "طغيان" جنرالاتها وتماهي مصالحهم حتى اللحظة. هي في الفيلم، مزيج من كل ما سبق، موغل في الشاعرية والألم.

أخرج فرحاني ثلاثة أفلام قصيرة هي "خليج الجزائر" (2006) و"فندق أفريقيا" و"تارزان (2013). وفي فيلمه الطويل الأول يأخذنا إلى "مذبح حسين داي"، أكبر مسالخ العاصمة الجزائرية، فترصد، خلال 100 دقيقة، حيوات سوريالية ومتناقضة، يجمعها هذا المكان: العاشق الذي يتحدّث دائماً مع صديقه عن التضحية في سبيل الحب، وهما يضعان جلود العجول المسلوخة في الشاحنة، العجوز علي، الشاهد على التاريخ، والذي يعمل في المكان نفسه منذ عقود، وعامل آخر لا يذكر سوى أنه وُلد في المسلخ.

تشغل الأغاني الجزائرية التراثية والحديثة الخلفية الصوتية للفيلم والمسلخ. بالتزامن معها، نسمع حشرجات العجول وهي تُذبح، ونقاشات العمّال وأحاديثهم عن الحب والهجرة والسياسة والعدالة الاجتماعية.

تتوالى الشخوص والقصص: عامل يغمس أصابعه في دماء عجل معلّق، ويكتب بها على جريدته، بينما يموت العجل. تلك طريقته في قتل الوقت، ليس أكثر، عجوزٌ بزيّ تقليدي مستلقٍ على بضعة "كراتين" مثبّتة بالحجارة في أحد أركان المسلخ، يتمدّد بنظارة شمسية ويقرأ شعراً أمام الكاميرا، بينما تلعق قطّة أصابع قدميه.

نلتقي القطّة مجدّداً في مشهد لاحق، وهي تتحرّك بحريّة مطلقة تحت صفّ من العجول مقطوعة الأعناق؛ حيث ترتفع رؤوسها الضخمة سنتيمترات قليلة عن الأرضيّة.

تظهر شخصيات المسلخ/ الفيلم مسكونة بالحيرة أمام واقعها، تقف بين حدّي سكين؛ على أحد أطرافه يمكث رعب الذاكرة الجزائرية، وعلى الحد الثاني تقف سلطات الجنرالات وهم يزدادون جبروتاً ويتعمّدون قهر الناس في كل لحظة، كأنهم بين جحيمين، وكأن الجزائري لا يملك سوى خيارات ثلاثة، هي تلك التي يختصرها العاشق في أحد مشاهد الفيلم: "إمّا أن أنتحر أو أن أحرق نفسي أو أن أسافر عبر البحر إلى أوروبا". اللافت في وعي ابن العشرين عاماً هو أن الخيارين الأول والثاني منفصلان تماماً عن بعضهما.

وتعرف المسابقة الرسمية، وفق بلاغ المنظمين، مشاركة 13 فيلما تتنافس على جوائز الدورة أمام لجنة تحكيم يرأسها المخرج المغربي فوزي بنسعيدي، ويشارك في المهرجان أفلام تونسية وجزائرية ومصرية إضافة إلى أفلام من دول أخرى، ستتنافس على جوائز المهرجان، وتحتفي دورة هذه السنة بالسينما السويدية، "اعترافا بما قدمته من عطاءات أثرت الخزانة العالمية للفن السابع".

تحضر سينما العالم العربي في التظاهرة من خلال المخرج التونسي فريد بوغدير، بفيلمه "زيزو" (إنتاج تونسي فرنسي)، والجزائري حسن فرحاني (إنتاج الجزائر، فرنسا، لبنان، هولندا، قطر) بفيلم "في رأسي دوار"، والمصري تامر السعيد بفيلم "آخر أيام المدينة" (مصر، ألمانيا، المملكة المتحدة، الإمارات العربية المتحدة)، بينما يحضر المغرب من خلال فيلم "ميموزا" بمخرج أجنبي هو أوليفر لاكس (إنتاج إسبانيا، المغرب، فرنسا).

وإلى جانب هذه الأعمال، تشارك في المسابقة أفلام من أنحاء مختلفة: "ابنة" لرضا كاريمي (إيران)، والحرارة الصفراء" لفكرات ريحان (تركيا)، و"بيت الآخرين" لروسودان كلورجيدز (جورجيا، إسبانيا، روسيا، كرواتيا)، و "العزلة" لجورج تيلين أرموند (كندا، إيطاليا، فنزويلا)، و "سقوط" لمارينا ستيبانسكا (أوكرانيا)، و"شهر بلا نهاية" لأليخاندرو جودوروفسكي (فرنسا، الشيلي) و "ميلا" لفاليري ماساديان (فرنسا، البرتغال) و"الأرض والظل" لسيزار أوغيستو أسيفيدو (كولومبيا، فرنسا، هولندا، البرازيل، الشيلي) و "بعد الحب" لجواشيم لافوس (فرنسا، بلجيكا) و "أحلام الفجر" لمهراد اسكويي (إيران، باكستان).

تحل السينما السويدية ضيف شرف للدورة، اعترافاً بما قدمته من عطاءات أثرت الخزانة العالمية للفن السابع، وهكذا ستعرض ستة أفلام ضمن فقرة تكريم المخرج المتميز، روي أندرسون، وإلى جانب السويدي، روي أندرسون، يخص المهرجان بالتكريم، الممثلة المغربية أمال عيوش، ومواطنها المخرج فوزي بنسعيدي، رئيس لجنة تحكيم الدورة.

مريم. ع

 

من نفس القسم الثقافي