الثقافي
"طائر أزرق نادر يحلق معي": المعتقل بأصوات متعدّدة
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 أوت 2017
مع 2011، دفعت الثورات والانتفاضات العربية بأدب السجون إلى الواجهة حيث وجد فرص الانتشار وبالتالي مزيداً من المقروئية. هذا النمط الأدبي يبدو ضرورة في مثل هكذا سياقات حيث يتحوّل إجلاء الضباب عن التاريخ مطلباً عاماً في سبيل إضاءة أوسع لما حصل في كل بلد، وكذلك من أجل رد اعتبار رمزي للضحايا الذين قضوا في الزنازين والمعتقلات الصحراوية، بالإضافة إلى ما يتيحه أدب السجون من لفت النظر إلى البنية العميقة للأنظمة التي حكمت المنطقة وإخراج ممارساتها الوحشية ضمن عملية الفضح الكبيرة التي مثّلها ما بعد 2011.
في رواية يوسف فاضل "طائر أزرق نادر يحلق معي"، الصادرة مؤخراً بالفرنسية عن دار "أكت سود" بترجمة فيليب فيغرو، يأخذنا الكاتب المغربي إلى سنوات الرصاص في بلاده (سبعينيات القرن الماضي)، إحدى أكثر الحقب حساسية في التاريخ المغربي الحديث، ليوجه تحية إلى الأحياء والأموات الذين اعتقلوا وغيّبوا في سجون تازمامارات، وأكدز، ودار المقري، ومولاي الشريف، والكومبليكس، والكوربيس، ولا سيما أن الكاتب قد سبق له أن عاش هذه التجربة عندما تعرّض للاعتقال في تلك الفترة بين عامي 1974 و1975.
لا يقدّم الكاتب حكايته على شكل مذكرات، ما يتيح له أن يتوسّع في تصوير عوالم السجون والاعتقال بعيداً عن النظرة الذاتية، حيث تجتمع حكايات المعتقلين وأسئلة الجلادين وحيرة أهالي المغيبين وبحثهم للحصول على معلومات تدلهم على مكان قريبهم المعتقل.
تدور أحداث الرواية (صدرت لأوّل مرة بالعربية في 2013) على مدار أربع وعشرين ساعة يوزّع خلالها الكاتب مهمة السرد على ألسنة شخصياته: المعتقَل، الزوجة، الأخت، الكلبة، الجلاد … إلخ. تبدأ الرواية وتنتهي في "بار اللقلاق" حيث تعمل زينة التي فقدت زوجها عزيز قبل عشرين عاماً، ليمثل زمن الرواية زمن رحلتها نحو معتقل زوجها، باستثناء الفصل الأخير الذي يصوّر لقاء زينة بعزيز واستقبالهم نبأ موت الملك.
تتقاطع وتتداخل عوالم ومصائر وحكايات الشخصيات على ألسنة الرواة، ويردّد كل منهم الحكاية ذاتها من زوايا مختلفة. وقد تجرّأ الكاتب على الخروج عن المألوف حين يضع جزءاً من السرد على لسان الكلبة هندة، أو يروي بعض الفصول على ألسنة الجلادين، بذلك جعلهم فاعلين ضمن عملية السرد، أي الفعل الروائي، وهو أمر من النادر أن نشاهده في أدب السجون المكتوب عربياً.
هكذا لا تبدو "طائر أزرق نادر يحلق معي" عملاً عن السجون بقدر ما هي محاولة روائية لإشراك الجميع في سرد حكاية معتقل، بغية أن يصير التاريخ تاريخاً بالمعنى الثقافي.
الوكالات