الثقافي
قراءة في رواية “عطر الخطيئة” لأمين الزاوي
قدم ترجمتها إلى العربية الشاعر والمترجم محمد بوطغان
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 ماي 2017
شهد حقل الترجمة الأدبية نقلة نوعية بإصدار رواية “عطر الخطيئة” مترجمة من الفرنسية إلى العربية من قبل الشاعر والمترجم” محمد بوطغان” عن” دار العين المصرية”، والملفت في العنوان أن المترجم تصرف فيه ببراعة شفافة جعلته أكثر بلاغة وعمقا فمن “أهل العطر ” أو “Les gens du parfum” في نسختها الأصلية إلى “عطر الخطيئة”.
ومن الوهلة الأولى تبدو الرواية ككل متكامل، سلس أو نص متمرد عن السرد النمطي الباهت، فينحت المترجم الشاعر”محمد بوطغان” صرحًا جماليا من التلاحم الشعري النثري وهو الذي يعطي للرواية سيرورة مترابطة دون أن يتوه القارئ أو يشعر بالملل .
تفتح هذه الرواية أبواب المحظور بتناولها تابو” زنا المحارم” وهو المحظور الصادم في الأدب الجزائري والذي سبق وأن تناوله الأديب رشيد بوجدرة في روايته””la répudiation/”التطليق”والصادرة في عام 1969 وان صح التعبير فهذا المتن الروائي لم (يحو)خطيئة واحدة بل تعددت الخطايا في كنف مدينة تنفث عطورها على شاكلة سموم أفعى رقطاء تجعل من الجميع رهن ما يطلبه الجسد ويشتهيه .
تدور فصولها على لسان البطل و الراوي في نفس الوقت بتلقيه خبر وفاة والده، فيسارع بالعودة إلى مدينته وهي” ندرومة”أو” ريحانة” كما يسميها ليجد نفسه في المقبرة و مع حارسها الملقب بوزارة الدفاع كونه المسؤول الأول عن حراسة المقابر الثلاث “المسلمة /المسيحية والىهودية باعتبار” ندرومة أو” ريحانة”ذات خليط عرقي وعقائدي منوع من يهود ومسلمين ،عرب امازيغ ومورسكيين. يتبادلان أحاديث متشعبة إلى أن ينتهي المطاف بالبطل في بيت العائلة وأمام زوجة والده سارة اليهودية والتي كانت غارقة في الحزن وللحظات استرسلت في الحديث عن مدى الفراغ الذي تركه لها المرحوم عن تفاصيل ماضيها وذكريات التشرد وقصة” إسحاق” إلى أن اخترق أذنيه صراخ أخته غير الشقيقة ابنة سارة والتي حبستها والدتها لما يقارب سبع عشرة سنة وهذا بعد أن اكتشفت أنها غير عذراء والفاعل هو أخوها “هزار” كرد فعل انتقامي من حبها للفتى اليهودي لكن والدتها غطت على الفضيحة قامت بتلفيق الاغتصاب لشيخ الجامع الذي كان يدرسهم .
يدخل هزار في حديث متشنج مع زوجة أبيه التي اتهمها بالمعاملة غير الإنسانية لابنتها وتبرر سارة فعلها بأنه نتيجة لتصرفه منذ سبعة عشر سنة ثم يستطرد البطل في سرد ذكريات من أيام خلت علاقة الضرتين أمه وسارة زوجة أبيه الىهودية(الحقد الدفين المتبادل بينهما/عدالة والده بينهما في أبسط الأشياء /عملهما اليومي في النول جنبا إلى جنب إلى قطيعتهما الأبدية بعد حادثة الاغتصاب) ثم علاقته بشقيقته أي كفعل انتقامي من حبها للفتى اليهودي وحتى علاقته الشاذة بشقيقاته السبع وقصة أخيه إسحاق الذي أخبرهم الشيخ بأنه سيكون مخنثاً وهي نتيجة حتمية لزواج المسلم بيهودية ’الشيء الذي دفع بزهرة الزوجة الأولى بإبعاده نهائيا عن المدينة لدرجة اعتقاد ساد عند الجميع بأنه ميت عدا هزار الذي كان عنده حدس قوي يشعره بأنه على قيد الحياة.ثم يسترسل في وصف تصويري للمدينة وأهلها وتفاصيل حياتهم وكيف لا ؟ وهي أرض العطر وهم أهله والأوفياء لمواعيد وطقوسه.
خط النهاية لم يكن مستقيما أو مفتوحا بل أتى منكسراً وصادماً ،ففي الوقت الذي يعود فيه هزار إلى بيته مهزوما مثقلا بأوجاع الذاكرة والخراب الهائل عن خطيئته يجد ما لم يكن لا في البال ولا في الحسبان أخوه “إسحاق”يعود وأي عودة؟ عودة محملة بالخراب لعشه الزوجي من منطلق كما تدين تدان فيجده في فراشه ومع زوجته التي تبدو له في النهاية أخته “أيه” حرة طليقة .
“عطر الخطيئة “رواية الغوايات وسطوة الجسد والشهوة، طغيان المحظور بصورة معقدة ومتشابكة.طقوس مدينة مهربة من الأزمنة الخرافية، محملة بعبق البخور،العود والبهارات.يفك شفرتها وألغازها المترجم ببراعة شعرية حذقة إلى اللغة العربية لتسعها بمفرداتها الخصبة ويحتضنها الشعر بإيقاعه وقوافيه. فهنئياً للشاعر “محمد بوطغان” والدكتور “أمين الزاوي”بهذه الترجمة البهية والإضافة القيمة لمكتباتنا.
*أسماء جزار