محلي

"الدويرات"... أعرق حي بالبليدة ينتظر التصنيف

يعاني من خطر الاندثار

 

 

 

 لا يزال حي الدويرات أو ما يعرف بحي "أولاد السلطان" أو "قصبة البليدة" الذي يعد من أعرق الأحياء الشعبية لمدينة البليدة ينتظر تصنيفه ضمن التراث المادي لحماية مبانيه من خطر الاندثار بفعل قدمها وتآكل أسسها وكذا تدهور الإطار المعيشي به.

وتعني كلمة حي "الدويرات" الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى القرون الوسطى أثناء الوجود العثماني بالجزائر (القرن الـ 15 ميلادي) تجمع سكاني صغير يشبه في هندسته كثيرا قصبة الجزائر العاصمة باستثناء بعض الخصوصيات في البناء مثلا: بنايات الدويرات مغطاة بالقرميد في حين بنايات القصبة تتميز بالسطوح.

 وتعرف هذه البنايات ذات الطابع العربي الإسلامي في السنوات الأخيرة تدهورا كبيرا بسبب هشاشة البنايات التي طرأت عليها العديد من التغيرات بفعل قدمها وتآكلها ما جعلها تسيء بشكل كبير إلى جمالية المكان.

 فلم تعد البنايات التي كانت تحمل المعالم الأندلسية التي رسمها لها مؤسس مدينة البليدة العلامة سيدا حمد الكبير بعد دخوله إلى المدينة في القرن 16 ميلادي هي تلك البنايات المنفردة في عمرانها وغرفها ابتداء من الأقواس والزخرفة التي تشكل مداخلها وأبوابها بما يوحي بطابع البناء الإسلامي.

حيث قامت العديد من العائلات بتغيير مداخل بناياتها مستغنية بذلك على الأقواس والأبواب الخشبية التي كانت في السابق في حين عمدت أخرى على رفع أسوار بناياتها ووضع الشبابيك الحديدية لاعتبارات أمنية.

 وبشأن هندسة المنزل فإنه يضم مجموعة من الغرف ذات شكل مستطيلي يتراوح طولها بين الستة والعشرة أمتار في حين لا يتجاوز عرضها ثلاثة أمتار بعلو يتراوح بين ثلاثة وأربعة أمتار.

  ولعل أهم ما يميز مباني الدويرات هوفنائها المعروف محليا بـ "وسط الدار" -والذي لا تزال بعض العائلات تحتفظ به - حيث هو عبارة عن مساحة تتوسط الغرف المكشوفة من الأعلى تزين جدرانها مختلف النباتات المتسلقة على غرار أشجار الكروم (الدالية) التي تظلل المكان بأوراقها والياسمين الذي يفوح عبقه الشجي ليعطر كافة أرجاء المنزل.

  كما تضفي شجرة الليمون التي تتوسط فناء الدار والتي لا يمكن الاستغناء عنها بالمنزل رونقا وجمالا إلى جانب مختلف أصص النباتات التزيينية والورود الجميلة كالحبق والقرنفل والمحمود وكذا نبات الفجل المبعد في اعتقاد سكان البيت للعين الحاسد.

 غير أنه ما يشد نظر الزائر حاليا وهو يتجوّل بأزقة الحي -التي لا يزيد عرضها عن المتر والنصف- وكذا وهو يصعد تلك السلالم التي تغيرت كثيرا ملامحها هي تلك البنايات الآيلة للسقوط أو تلك المغلقة والمهجورة من طرف أصحابها إلى جانب أكوام النفايات المترامية هنا وهناك بفعل صعوبة رفعها لطرق الحي المهترئة والضيقة.

 ولعل من بين أهم بنايات الحي الأثرية والتي مازالت مشيدة به رغم التغيرات الكثيرة التي طرأت عليها قصر الملك بيهنزن وهو ملك الداهومي سابقا خلال القرن الثامن عشر (المعروفة اليوم بدولة البنين) الذي تواجد به في الفترة الممتدة بين 1894 و1906 بعد أن نفته السلطات الفرنسية المحتلة إلى الجزائر.

  وحسب ما وقفت عليه واستنادا لروايات السيد أوراغي يوسف (ذاكرة حية لمدينة البليدة) وكذا الجيران فإن القصر وبعد أن تم نقل رفات ملكه إلى بلاده سنة 1928 بقي إلى يومنا أطلال.

 حيث عرف القصر الذي يتربع على مساحة تزيد عن الهكتار ونصف بعدها عدة تغييرات في مبانيه وذلك بعدما قام أحد رجال الأعمال بشرائه ليترك حاليا مغلقا.

 فلا يمكنك أن تلاحظ وأنت واقف على أطلال هذا المبنى سوى تلك الأبواب المقوسة التي سدت بطرق عشوائية وباب حديدي كبير مغلق ومعشوشب وكذا أشجار الصنوبر والتين الهندي والكروم المتدلية من أسواره المرتفعة البالية في الوقت الذي أكد فيه هؤلاء أن المكان يحوي على مزرعة في شكل غابة تضم مختلف الأشجار مهملة.

  كما يروي هؤلاء أن العديد من البعثات الرسمية من دولة البنين يقصدون المكان لزيارة القصر غير أنهم يعودون أدراجهم ويكتفون بالتأمل في القصر من مختلف جوانبه الخارجية.

 

كما كان الحي كذلك منبع لإشعاع روحي وثقافي.

ويروي عمي يوسف أن الحي كان يحوي كذلك على أكثر من ستة مدارس قرآنية لكن لم يبق منها سوى مدرستين قرآنيتين.

 كما أنجب العديد من علماء الدين على غرار الشيخ بابا عمر الذي كان إمام في جامع الكبير بالجزائر العاصمة والشيخ بن جلول والشيخ عصمان المدعو الشيخ زبير والشيخ محمد برينيس المدعو البليدي وغيرهم من الشخصيات الدينية.

 وقد خرج من الحي عدة أسماء لفنانين مشهورين وطنيا في مختلف الطبوع كالعروبي والحوزي على غرار الفنانين الأخوة محفوظ ومحمد محي الدين والفنانة سلوى ورابح درياسة ورشيد نوني إلى جانب ممثلين بارعين منهم عميد المسرح البليدي محمد التوري والممثلة كلثوم والطيب أبو الحسن وعمر طايان.

 أما في المجال الرياضي فمعروف على أن نصف الاتحاد الرياضي لمدينة البليدة كان متشكلا من رياضيي منطقة الدويرات إلى جانب عدة أسماء سطعت في الميدان الرياضي أمثال عبد العزيز شكايمي الذي يعد أول حكم دولي جزائري ودحمان مفتاح لاعب كرة القدم والملاكم خالد الجوهر وغيرهم.

 كما أن الحي العتيق الذي منح فداء للوطن أكثر من 360 شهيد سقطوا أثناء الثورة التحريرية قد أنجب عدة أسماء أخرى في مجال العلوم والسياسة وغيرها.

ترميم منازل الحي طلب ملح للسكان

 ويطالب سكان الحي ممن إلتقتهم السلطات المحلية بمدها بإعانات لإعادة ترميم بناياتهم التي لا يزالون يتشبثون بها بالرغم من أنها أضحت مهترئة وذلك -على حد تعبيرهم- "لتبقى شاهدة على عراقة الحي الذي ينتمون إليه والذي لا طالما شكل مفخرة للسكان".

 ويروي أحد السكان كيف أن "جدار بيته انهار العام المنصرم وأنه لحسن الحظ لم يخلف جرحى من أفراد عائلته أو من جيرانه وكيف أنه منذ ذلك الوقت لا يزال ينتظر إعانة لترميمه".

 وفي هذا السياق ذكر مدير التعمير والبناء السيد قاضي جمال أن مصالحه بصدد إعداد دراسة شاملة عن مختلف البناءات القديمة الهشة التي تحصيها ولاية البليدة بغية رفعها للوزارة الوصية لتخصيص لها غلافا ماليا سيوجه لترميم هذه البنايات وإعادة الاعتبار لها بما فيها حي الدويرات.

 من جهته أوضح مدير الثقافة السيد عياش أحمد أن مصالحه بصدد تشكيل ملف لتصنيف الحي على أنه معلم أثري بهدف حمايته من مختلف التغييرات أو التعديلات التي قد تحصل عليه.

 

من نفس القسم محلي