محلي

نقائص.. وأوضاع متردية تعيق سير التمدرس بالمؤسسات التعليمية

تلمسان

 

  تعاني المدارس الابتدائية في المناطق النائية لولاية تلمسان من نقص كبير في الصيانة وفي الترميمات الكبرى التي أصبحت لا تتم منذ سنوات عديدة لعجز البلدية عن التكفل بها وبقاء الصيانة بعيدا عن المهام الأساسية للمنظومة التربوية وهو ما أضحت تطالب به الجهات المسؤولة بالولاية والبلديات، كون الحالة المادية لعدد كبير من المدارس الابتدائية خصوصا تلك الواقعة في المناطق الريفية متردية للغاية وتكاد تكون غير صالحة للتدريس نهائيا، إذ أصبحت سطوح البناءات التربوية القديمة المشكّلة من القرميد عاجزة عن الصمود.

  وفيما يتعلق بالمحيط العام فإن الكثير من المدارس تفتقر للساحات المهيأة والمعبّدة وللمحيط المشجر رغم توفرها على مساحات كافية لذلك، كما تنعدم حولها الأسيجة التي تحميها من تأثيرات العوامل الطبيعية والمحيط الخارجي.

  ولدى اتصالنا بالمصالح المعنية، أكد أغلب رؤساء البلدية أن ميزانيتهم الحالية وبالكيفية الإدارية السارية المفعول لا يمكنهم التكفل بتاتا بأشغال الصيانة العادية ناهيك عن الصيانة الكبرى التي تتطلب مبالغ مالية ضخمة تضاهي في بعض الأحيان بناء مدرسة جديدة بوسائلها وإمكاناتها المادية والبيداغوجية.

  على صعيد آخر لا توجد بغالبية المدارس الريفية مكاتب للمديرين ولا حتى قاعة للمعلمين علاوة على انعدام السكن الريفي، ما يضطر المديرين إلى قطع مسافات طويلة يوميا للوصول إلى أماكن عملهم.

  للتذكير فإن العديد من المدارس الابتدائية بالمناطق الريفية للولاية ما زالت لحدّ الآن مغلقة بعد أن هاجر السكان مواطنهم الأصلية نحو المدن هروبا من تهديدات الجماعات الإرهابية، كما تعاني الولاية زيادة على ذلك من نقص كبير في هياكل التعليم التحضيري التي أصبحت هياكل ضرورية وفق إصلاح المنظومة التربوية الذي قلّص مرحلة التعليم الابتدائي إلى خمس سنوات.

 مناسبة هذا الكلام أننا طرحنا منذ شهور بعض المشاكل البسيطة التي تعرقل السير الحسن لتمدرس بعض تلاميذنا في بعض المؤسسات التربوية بالمناطق الريفية للولاية وتلقينا وعد من طرف مسؤولي بعض البلديات بأن مصالحهم ستتولى إزالة كل هذه المشاكل في إطار المهام الموكلة لها في هذا الشأن، إلا أننا لما استفسرنا بعض مدراء المدارس الابتدائية عقب الدخول المدرسي حول تلك المشاكل تفاجأنا بإجابتهم التي أجمعت على أن دار لقمان مازالت على حالها.

... وبرد شديد يلازم التلاميذ

 ولأن دار لقمان لا بد أن تتغير لصالح التلاميذ والأسرة التربوية جمعاء وجدنا أنفسنا مضطرين إلى التذكير من جديد ببعض العينات من المشاكل التي تعاني منها بعض المؤسسات التربوية، وفي مقدّمتها غياب التدفئة، فمع حلول فصل الشتاء وتهاطل الثلوج على عدة مناطق من ولاية تلمسان المعروفة ببرودتها القاسية تبدأ ملامح التذمر تبرز وسط الأساتذة، التلاميذ وأوليائهم بسبب انعدام أجهزة التدفئة داخل قاعات التدريس، حيث لا تتوفر على التدفئة لأسباب متباينة يتصدّرها مشكل الطاقة التي تظل العائق الأكبر أمام استغلال التجهيزات، فعدم توفر مادة المازوت

 بالكميات الكافية والتذبذب في توزيعها من قبل بعض البلديات، في ظل عدم اكتراث بعض رؤساء البلديات الذين لا يعيرون التدفئة المدرسية أدنى اهتمام ولا يصنفونها من ضمن الأوليات، وبذلك يدفع التلاميذ ضريبة هذا الإهمال والتنصل من المسؤولية.

  أوضاع مزرية سجلناها عبر عدة مناطق بالولاية لتلاميذ يستغيثون من شدة البرد القارص الذي أصبح ملازما لهم أثناء رحلتهم الصباحية باتجاه المدارس، وأثناء تواجدهم داخل القاعات للتحصيل العلمي، فالتلاميذ نجدهم يرتعدون من البرد... قسم يشبه الثلاجة، حيث لا يستطيعون نزع حتى معاطفهم.

  المعلمون يؤكدون أنه من غير المعقول أن نتحدث عن تحصيل علمي جيد ونمو سليم لأطفالهم في ظل هذه الأوضاع المناخية المزرية.. المعاناة والحالة المأسوية لهؤلاء التلاميذ وقفنا عليها في كثير من قرى وأرياف ولاية تلمسان وعلى رأسها المدارس الواقعة بأقصى غرب الولاية وشرقها كقرية درمام وقرية تبودة إلى جانب حي الفرش، الشهيد بن عيسى عكاشة بسبدو، وقرية سيد المشهور والمعازيز وأولاد قدور بدائرة مغنية، وربان بدائرة بني بوسعيد الحدودية... إلخ، إذ يعاني المتمدرسون ظروفا قاسية تؤثر على مستوى تعليمهم. وحسب أحد الأطباء المختص في الصحة المدرسية بتلمسان أكد أن انعدام أجهزة التدفئة داخل الأقسام الدراسية خاصة في المناطق المعروفة بالبرودة القاسية خلال فصل الشتاء، تعرّض التلميذ إلى عدّة أمراض منها الالتهاب الحاد للقصبات الهوائية، وتورمات في اليدين، وهي حالات مرضية نلاحظها دوما في فصل الشتاء عند خضوع التلاميذ للفحوصات الطبية، مضيفا في نفس السياق أن التلاميذ يتعرضون باستمرار لالتهاب اللوزتين المتكرّر، وهو ما يرشح إلى الإصابة بالتهاب المفاصل في حال بقاء التلاميذ داخل حجرات تنعدم فيها وسائل التدفئة لفترات طويلة، إلى جانب هذه الأعراض المرضية يضيف الدكتور أن التحصيل الدراسي يصبح منعدما بفعل نقص التركيز عند التلاميذ، وبالتالي ينعكس سلبا على النتائج الدراسية.

  من جهة أخرى ورغم تأكيد مديري هذه المؤسسات التربوية على تجهيزها بوسائل التدفئة، إلا أن يبقى مشكل تعانيه المدارس هو عملية التزود بمادة المازوت، وهي العملية التي تتكفل بها البلديات، حيث تعجز الكثير من الأحيان على توفيرها نظرا لميزانياتها الضعيفة.

انعدام النقل المدرسي... وغياب الأمن يهدّدان تلاميذ المناطق النائية

 وليس بعيد عن مشكل التدفئة، لا تزال معضلة النقل الريفي والمدرسي بمداشر بلديات عدّة مناطق بولاية تلمسان تثير قلق السكان والمتمدرسين على حدّ سواء إذ يجدون صعوبات في قضاء حاجاتهم اليومية وعائقا كبيرا في الإلتحاق بمقاعد الدراسة، ما يؤثر على مردودهم الدراسي، في ظل العدد غير الكافي للمتعاملين وأصحاب النقل وضعف المراقبة من طرف الجهات المعنية، إذ كثيرا ما يعاني المعلم والأستاذ والتلميذ في المناطق الريفية والشبه الحضرية من النقل بين تجمع سكاني والمدرسة ولهذا لا بد من توفير النقل للتلاميذ وبالمجان ويكون ذلك على عاتق البلدية. وقد كانت كل هذه السلبيات من ضمن النقاط التي تحدّثت عنها فدرالية أولياء التلاميذ في ملفها الخاص حول إصلاح المنظومة التربوية المقدم إلى رئاسة الجمهورية، وحسب الوضعية الحالية التي عاينّاها فإن مناطق عديدة من مداشر بلديات تلمسان، كمغنية، الرمشي، سبدو، باب العسة، فلاوسن، عين فتاح، السواني، يواجه سكانها ضائقة يومية في التنقل نحو مراكز نشاطهم، خاصة العمال منهم الذين يئسوا من الظروف القاسية التي يتخبطون فيها على مدار الأسبوع حسب تصريحات ممّن إلتقيناهم، الذين أرجعوا هؤلاء المعضلة إلى النقص المسجل في عدد المركبات

 والخطوط المعتمدة في خريطة النقل التي اعتمدتها ذات المديرية لتغطية هذه الجهات التي مازالت بعيدة عن أعين المسؤولين رغم الجهود التي تبذلها الدولة للرفع من مردود القطاع حسب أقوالهم المتذمرة من الظروف الحالية.

  فالمتمدرسون الذين يقطنون هذه المناطق المنعزلة البعيدة عن المؤسسات التربوية يكابدون صراعا يوميا في الوصول إلى مقاعد التعليم سوى بالمدارس الإبتدائية والمتوسطات أو الثانويات وهو ما وقفنا عليه ميدانيا ضمن هذا التحقيق الذي كشف لنا عن متاعب أثرت بشكل أو آخر على النظام الدراسي لهؤلاء الأبناء الذين ضاقت بهم السبل في عدة مناطق لا يتسع المقام لذكرها بل نكتفي بالإشارة إلى البلديات التي يتضرر متمدرسوها من الظاهرة، حيث يلتحق التلاميذ متأخرين عن الدروس وهو يؤثر على النتائج المدرسية، والظاهرة مشتركة بين عدة مناطق بالبلديات النائية، وغيرها من الجهات التي تحتاج إلى حافلات مدرسية، أو اللجوء إلى عقد اتفاقيات من أصحاب النقل للقيام بهذه المهمة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر يجد تلاميذ القرى التابعة لبلدية الفحول صعوبة بالغة في التنقل إلى المتوسطة الوحيدة بالبلدية، لا سيما الطلبة الذين يدرسون بالتعليم الثانوي الذين ينتقلون باستمرار باتجاه ثانوية عين يوسف. وحسب ما توفر لدينا من معلومات فإن عدد التلاميذ الذين يتنقلون يوميا قارب 400 تلميذ، علما أن البلدية تملك فقط حافلتين الأمر الذي يتطلب تدعـيم البلدية بحافلة نقل للتقليل من المعاناة علما أن إمكانيات البلدية جدّ محدودة، وبالمقابل يكابد تلاميذ بلدية جبالة عناء التنقل يوميا إلى مقر الدائرة بندرومة لإتمام دراستهم بثانوياتها، ما اضطر بعض الأولياء إلى منع بناتهن من إتمام دراستهن بسبب بعد المسافة.

  فالأزمة التي عاشها ويعيشها تلاميذ المنطقة لسنوات طوال، حيث كانوا ينقلون إلى مدارسهم بشاحنات الأشغال العمومية، وسيارة الإسعاف، ومشيا على الأقدام مسافات طويلة، أما إذا تعكر صفو الطقس فالتغيب عن مقاعد الدراسة هو الحل الأمثل، لكن بالرغم من محدودية ميزانية البلدية استطاعت تقليص المعاناة، بعدما وفرّت حافلة للمتمدرسين سنة 2009 ودعمتها وزارة التضامن بواحدة ووزارة الداخلية بأخرى، سنة 2010، في انتظار تدعـيم القطاع بحافلة أخرى.

  وليس بعيدا عن بلدية جبالة يواجه تلاميذ بلدية عين فتاح التابعة لدائرة فلاوسن صعوبات كبيرة، خاصة تلاميذ الابتدائي الذين يلتحقون بمدارسهم على الساعة السادسة صباحا، بسبب ندرة حافلات النقل المدرسي، حيث تتوفر البلدية على ثلاث حافلات موجهة لنقل تلاميذ الأطوار الثلاثة الابتدائي والمتوسط والثانوي، حيث تبدأ عملها باكرا مستهلة بنقل تلاميذ الابتدائي، الأمر الذي خلق انزعاجا شديدا لدى الأولياء خوفا على أبنائهم من المخاطر التي قد تواجههم. وذكر أولياء التلاميذ أن هذا الوضع ينجم عنه أضرارا على أداء التلاميذ وتحصيلهم الدراسي، الأمر الذي أصبح يجبر أولياء التلاميذ على أخذهم بنفسهم للمدرسة، خوفا من تعرضهم لمختلف حوادث المرور بسبب مشيهم مسافات ومسافات للوصول إلى مكان تحصيلهم الدراسي الذي يقل من سنة لأخرى بسبب مشكل النقل، فضلا عن خوفهم من تعرض أولادهم لمختلف الاعتداءات نتيجة خروجهم من المنزل صباحا للالتحاق بالمدارس.

 وقد عبّر جلّ سكان بلدية عين فتاح استيائهم وتذمرهم الشديدين تجاه النقائص التي تعترض التلاميذ خلال الموسم الدراسي، وهو ما يؤثر سلبا على نفسيتهم، علما أن مشكل النقل المدرسي يحتل المرتبة الأولى في قائمة النقائص التي يشكون منها متمدرسو البلدية، وثمة كلام كثير يتعلق أساسا بالجانب الأمني، حيث يظل التلاميذ عرضة للحيوانات والكلاب المتشردة التي تهاجمها في كل مرة.

  وببلدية تيانت التابعة لدائرة الغزوات يعاني التلاميذ المتمدرسون في مختلف الأطوار ومنذ سنوات مضت، من صعوبات في التنقل إلى مقاعد مؤسساتهم التربوية بسبب بعد المسافة وقساوة الطبيعة خاصة خلال فصل الشتاء، أين تتساقط الثلوج مع البرودة الشديدة، وهو ما يضاعف معاناة التلاميذ في ظل غياب النقل المدرسي، إذ يعتمدون على المشي لعدة كيلومترات في الصباح البارد أو توقيف السيارات للوصول إلى مدارسهم. وحسب أولياء التلاميذ المتمدرسين أن مشهد تنقل هؤلاء في ظل تلك الظروف يبدو مأساويا، وهو الأمر الذي أدّى بالكثيرين منهم إلى التسرب، خاصة الفتيات في ظل غياب المبادرة لدى البلدية المعنية التي لم تجد حلا لوضعية مئات التلاميذ الذين يعانون مع كل موسم دراسي جديد، حيث يناشد كل أعضاء جمعية التلاميذ السلطات بالبلدية إنهاء المعاناة التي يتكبدها أبناؤهم للوصول إلى مدارسهم وتوفير وسائل نقل خاصة بهم من أجل القضاء على التسربات المدرسية وتشجيع التلاميذ على مواصلة تعليمهم في أحسن الظروف، وأيضا التعجيل بإنجاز إكمالية إذ ستحل مشاكل عديدة يتخبط فيها تلاميذ المنطقة.

  وفي هذا الصدد يطالب أولياء التلاميذ السلطات المعنية بتوفير النقل المدرسي خلال الدخول الاجتماعي المقبل من أجل إراحة أبنائهم من العناء اليومي والمشقة التي يتحملونها، علما أنه ما يزال مشكل النقل المدرسي يطرح نفسه ببعض المناطق التي تبقى بعضها بحاجة إلى تدعيمها بحافلات للنقل المدرسي المفقود كليا.

  وإذا كان التلميذ لا يمكنه الدراسة في وسط محروم من أبسط الأشياء، فكيف يستطيع أيضا التركيز وبطنه خاوية ليس بها سوى قطعة خبز أو بعض الأكل لا يغني من جوع رغم أن المطاعم المدرسية موجودة، غير أن ثمن الوجبة لا يتعدى في بعض الأحيان 20 دينار، وهنا يشدّد أولياء التلاميذ على ضرورة مساعدة وزارة التضامن لهذه المطاعم، حيث يتناول التلاميذ وجبات ساخنة.

  وفي انتظار التدخل الحاسم من أولي الأمر يبقى دور جمعيات أولياء التلاميذ بعيدا عمّا يجب فعله رغم أنهم على دراية كاملة بما يحصل بالمؤسسات التربوية.

  المسؤول الأوّل بالولاية طلب من المنتخبين القيام بعملية جرد وإحصاء النقائص بالمناطق المتضررة، وهذا قصد التكفل بعملية النقل والإطعام سواء على حساب ميزانية الولاية أو إعانة وزارة التضامن، وهي الخطوة التي لقـيت إرتياح السكان والمتمدرسين بالوسط الريفي، مطالبا الجهات المعنية والأولياء بتضافر الجهود خدمة للمتمدرسين الذين بالرغم من النقائص المسجلة حقّقوا نتائج نوعية في الإمتحانات المنصرمة.

من نفس القسم محلي