محلي
غياب التنمية يقلق السكان، والمواطنون يطالبون بالتنمية
قرية دار قادة بتيرني في تلمسان
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 ديسمبر 2013
تعتبر قرية أولاد بولنوار والمعروفة لدى سكانها وسكان التجمعات السكانية المجاورة لها باسمها القديم قرية دار قادة إحدى التجمعات الريفية القريبة من عاصمة الولاية تلمسان ولا تقع سوى على بعد كيلومترات معدودات جنوبها، ومع ذلك لم يشفع لها هذا الموقع لأن تحظى ببرامج تنموية وتعاني حاليا من عزلة تنموية شديدة في أكثر من مستوى خاصة تلك المصنفة ضمن الأولويات. هياكل البنية التحتية مفقودة وحياة السكان في خطر يتفاجأ كل من يزور هذه القرية ولأول وهلة بوضع اجتماعي صعب للغاية وينطبق على سكانها ذلك الحال بعنوان "المعذبون بالأرض"، ولكنه واقع حقيقي وليس عرضا سينمائيا، حيث يعاني سكانها الكثير من المتاعب طولا وعرضا وهم الذين كانوا يتمنون يوما أن تزورهم التنمية المحلية لا سيما تلك التي لها علاقة بالحياة الكريمة للمواطن.
فغياب التهيئة العمرانية على مستوى أزقتها والتي تعد على الأصابع يبقى إشكالا يقلق السكان وتتضاعف معها المعاناة خلال مواسم البرودة الحالية والتي تتزامن مع تساقط الأمطار وما يتسبب في ذلك من تشكيل برك ومستنقعات مائية هنا وهناك، وليس هذا فحسب بل إن سكانها يعانون أيضا غياب الإنارة العمومية مع تواجد بعض الأعمدة هنا وهناك، إلا أن معظمها معطل ويلقى في ذلك اللوم على مصالح بلدية تيرني التابعة لها إقليميا قرية أولاد بولنوار، والتي لم تكلف نفسها عناء تصليحها رغم أن ذلك لا يتطلب إمكانات لا مادية ولا مالية معتبرة، وليس هذا فحسب بل إن أنابيب قنوات المياه سواء الصالحة للشرب أو المخصصة للصرف الصحي، موضوعة بشكل غير قانوني والبعض منها مثبتة بجدران السكنات ما ينذر بكارثة صحية خطيرة في حالة اختلاط هذه المياه ببعضها البعض، لا سيما أن أماكن وضعها وتواجدها متقارب ولا يوجد مسافة بينهما مثلما هو معمول به تقنيا وتزداد خطورة وقوع هذه الحوادث في مثل هذه الفترات من موسم البرودة والتي تختلط مياه الأمطار والسيول المحملة بالأتربة والفضلات بمياه الشرب. أما عدد من العائلات الاخرى فتضطر إلى جلب الماء الشروب من منابع طبيعية غير معالجة على بعد مئات الأمتار مستعملة الدواب لأجل ذلك في مظاهر يفترض أنها لم تصبح موجودة في مجتمعنا، وذلك على الرغم من موقعها الاستراتيجي في منطقة شبه فلاحية رعوية وعلى مقربة من الطريق الوطني رقم 22 في شطره الرابط بين شمال الولاية وجنوبها ومنها إلى جنوب الوطن.
معاناة الشباب وتفشي البطالة أكثر الهواجس
انعكس الأمر سلبا على كل فئات السكان وفي مقدمتهم شباب القرية والذين يتضاعف عددهم يوما بعد يوما بسبب تقدمهم في السن يوميا، والذين سئموا رتابة الحياة اليومية بقريتهم ولا يجدون من حلول سوى الالتقاء جماعات هنا وهناك ويتبادلون أطراف الحديث وكل حسب مستواه وتفكيره، في محاولات منه لقتل ساعات اليوم بسبب معاناتهم من البطالة المفروضة عليهم بسبب غياب فرص التشغيل بالجهة، ويختار هؤلاء الشباب إحدى النقاط والمسماة بالصخرة لعقد لقاءاتهم اليومية باستمرار لأجل ذلك ويلتقون أحيانا بتلقائية في هذا المكان.
وعلى الرغم من خصوصية الجهة فلاحيا، إلا أن معظم هؤلاء الشباب لم يستفيدوا من برامج الدعم المختلفة، تارة لجهلهم بوجود هذه البرامج والآليات والتحفيزات التي تسنها الدولة الجزائرية لمواطنيها وتارة لعدم تمكنهم من القيام بالإجراءات اللازمة لذلك وحتى الوجهة التي يقصدونها. أما المحظوظون منهم فلا يجدون حرجا في الاعتماد على ما تركه لهم أوليائهم من عتاد للعمل أو أراضي فلاحية يزرعونها أو حتى بهائم من أغنام وأبقار وغيرها يسترزقون منها... القرية لا تخفي نظرة الشباب بها ومنهم حاملي شهادات جامعية وأخرى في التكوين المهني، وآخرون اضطروا لمغادرة مقاعد الدراسة في سن مبكرة بسبب أوضاعهم الاجتماعية، لأنهم مستاؤون من الوضع المفروض عليهم والعزلة الخانقة المضروبة على قريتهم التي يأملون أن تزورهم السلطات العمومية والمنتخبة يوما للوقوف على معاناتهم وإعادة بعث أمل الحياة مجددا لديهم، ويحلمون أن يساهم ذلك إن حدث في رفع الغبن عنهم من خلال برامج خاصة بالتشغيل حتى إذا تعلق الأمر ضمن الشبكة الاجتماعية ويأملون بالتحفيزات المادية والدعم لتربية المواشي أو خدمة الأراضي الفلاحية الشاسعة التي تزخر بها الجهة.
لا يخفي السكان تأسفهم إزاء الوعود المعسولة في أكثر من مناسبة ومن طرف أكثر من مسؤول والتي تلقوها في عدة مناسبات مقابل عودتهم للاستقرار بقريتهم المنكوبة خاصة بعد استتباب الأمن بالجهة والقضاء على الإرهاب، وتلقوا وعودا بمشاريع تنموية هامة إلا أنها كانت فقط كلام ليس إلا، ويذهب البعض منهم إلى القول على أنهم جزائريون ببطاقات التعريف، في إشارة منهم إلى أنهم محرومون من كل شيء، بل ومن أبسط هذه الأشياء، وآخرون ينتقدون أيضا عدم الوفاء بتلك الوعود المقدمة من أجل خدمة الأرض المتميزة بتربتها الصالحة لإنتاج مختلف الحبوب وأنواع الفواكه والخضروات في منطقة فلاحية بامتياز، وذهبت آمالهم مهب الريح مع مرور الوقت رغم مساعيهم، ليس لشيء وإنما لانهم لا يملكون علاقات مصاهرة أو محاباة مع مسؤولين هنا وهناك لتنفيذ برامجهم والاستفادة من مثل هذه المشاريع، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تلقوا أيضا وعودا بتوفير الدراسة الابتدائية لأبنائهم وتجنيبهم مشقة التنقل إلى أقرب مدرسة بتيرني للدراسة وبفك العزلة كتهيئة وتعبيد المسلك والطريق الرابط ما بين القرية والطريق المؤدي لمنطقة عين فزة على مسافة لم تتجاوز 06 كيلومترات، وإنشاء وحفر الآبار وتجهيزها لفائدة الفلاحين لسقي أراضيهم، وغيرها من الوعود التي تلقوها دون أي نتيجة.
أطفال يتنقلون للدراسة ويقطعون كيلومترات مشيا
تحتوي القرية على مدرسة قديمة جدا تتكون من قسمين وعلى الرغم من إمكانية استغلالهما، إلا انه لم تبادر السلطات المعنية لذلك، في الوقت الذي يتنقل فيه أبناء القرية، في ظروف صعبة إلى القرية المجاورة للالتحاق بمقاعد دراستهم وهم لا تتجاوز أعمارهم 6 و7 و8 سنوات وفي ظروف قاسية مثلما هو الحال في الفترة الحالية من برودة قاسية وأحيانا تهاطلات ثلجية معروفة بالجهة التي يتجاوز علوها عن سطح البحر 1000 متر.
ولم تهتم الجهات المسؤولة بهذه المدرسة، بل إنها تعمدت تهميشها من خلال اخذ كل الطاولات والكراسي والصبورات وغيرها، وكان لهذا الوضع الأثر السلبي في التسرب المدرسي والذي هو متفشي بشكل كبير بها، خاصة لدى الفتيات خاصة أن الأهالي يضطرون إلى توقيف بناتهن عن الدراسة في أعمار مبكرة وأخريات لا يلتحقن بها إطلاقا وهن غير محظوظات لذلك، أما القلة القليلة بإمكانهن مواصلة تعلمهن الثانوي أو المتوسط.
برنامج سكني من 18 وحدة توقف في منتصف الطريق
تعيش القرية وكباقي جهات الوطن أزمة سكن خانقة وهو أمر طبيعي بالنظر لغياب برامج بها، وذلك في ظل انتشار السكنات الهشة وأخرى قصديرية والبعض من هذه السكنات لا تصل إلى مرتبة حتى أكواخ للبعير أو الأغنام في ظل تزايد وارتفاع تعداد ساكنتها من وقت لآخر، ومع ذلك يتخذها سكانها بمثابة سكنات وكما يقولون هم أنفسهم فقط للسترة لهم ولأولادهم. أما عن الوقاية من البرد في الشتاء أو الحرارة في الصيف، فليس الأمر كذلك، ومع ذلك استفادت القرية في إطار مخططات التنمية الريفية للسنوات القليلة الماضية من مشروع عدد من سكنات الدعم الريفي من طرف الدولة عن طريق المقاولات بنحو 50 مليون سنتيم كإعانة لكل مستفيد، إلا أن إسناد أشغال انجازها إلى إحدى المقاولات المخصصة لذلك وفضح عدم مطابقة معايير الانجاز والبناء لا سيما هشاشة السقوف بها والتي تتسبب في شكل مباشر في تسرب المياه منها وتشقق الجدران، وليس هذا فحسب بل إنه لم يتم تهيئتها داخليا وفق المقاييس المطلوبة لمثل هذه المشاريع السكنية وكأنها أنجزت لتربية الحيوانات، ومع ذلك تشكل تهديدا لكل من يقطنها ورفض المواطنون المستفيدون منها استلامها وفضلوا البقاء في الأكواخ رغم أن هذه الأخيرة ليست بأفضل حال من تلك التي أنجزت.
عادات وتقاليد تبرز كرامة أهلها والمحافظة عليها
على الرغم من بساطة إمكانات أهلها الاجتماعية والمادية، إلا أنه ما زالت الصفات الحميدة تطبع تصرفات وخصال هؤلاء السكان فلا يتاونون بالكشف عن الترحاب العفوي من هؤلاء المواطنين بمجرد أن يدخل عليهم ضيف ومهما كان مبرزين سماحتهم وطيبة قلوبهم وأنهم سكان اجتماعيون، ويكشف التجوال في أرجاء القرية الهادئة على أنها لا تزال تحتفظ بتقاليدها وعاداتها العريقة في أكثر من صعيد، فالترحيب بالضيف يتم بالطقوس المحلية ولا يغادر الضيف الجهة إلا وهو مطمئن ولن تقدم له إلا المأكولات المحلية
منها الشاي التقليدي والمرفق بالحلويات التقليدية أيضا لا سيما المبسس والملوي والثريد والتاي تبدع عائلات القرية في انجازه بشكل يكاد يكون يوميا. أما الغذاء فلم يكون إلا من خلال طبق الكسكسي بالمرق الأحمر أو حتى الأبيض مزينا بقطع من لحم الغنم أو البقر تعبيرا منهم عن سعادتهم بالضيف. أما عائلات أخرى فبمجرد أن يحل ضيوف عليهم إلا وتتجند وما تكاد تمر لحظات إلا وأنت ترى خروفا تم ذبحه وتقديمه طبقا مشويا على شرف الضيوف. وأما عن الحليب المحلي الطازج واللبن فهما حاضران باستمرار، ناهيك عن الخبز التقليدي المطهي في الفرن التقليدي المنجز
بالطين، والذي يتم إعداده في الصباح الباكر ومع طلوع الفجر تكون الخبزات مطهية وجاهزة للاستهلاك، ناهيك عن خصال أخرى اندثرت ومفقودة في الجهات الحضرية، كالتكاثف الاجتماعي والتضامن في ما بين هذه الأسر سواء في المناسبات أو حتى الأقراح وخلال كل مواسم العام وهو ما يجعل السكان يعيشون في جو أشبه بأسرة وعائلة واحدة.
قدمت الكثير للثورة التحريرية وكانت هدفا للإرهابيين في التسعينيات
على غرار عدة قرى ومداشر منتشرة بتلمسان ومنها تلك بناحية واد الشولي، تبقى قرية اولاد بولنوار إحدى الجهات الريفية التي شهدت عمليات إرهابية كبيرة وكثيرة شنها الدمويون في أكثر من مرة، وتبقى مجزرة السادس من شهر أفريل من سنة 1996 شاهدة على ذلك والتي راح ضحيتها آنذاك ما لا يقل عن 13 فردا من أهالي القرية وكلهم من العزل، تمت تصفيتهم جسديا وبشكل بشع للغاية من طرف إرهابيين ومن بينهم عدد من المجاهدين الذين سبق لهم أن صنعوا تاريخ الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي و
الذي، لم يقو على الدفاع عن نفسه وكان من بين المغدور بهم أيضا شاب كان حينها قد أنهى في تلك الأيام مدة الخدمة الوطنية.
ومع ذلك صمدت القرية في وجه الإرهاب بالرغم من موقعها بالقرب من سلسلة جبلية كانت تعتبر معبرا للجماعات الإرهابية التي كانت تجد من القرية مكانا مناسبا للثأر من الهزائم التي كانت تتلقاها ولم تجد أمامها آنذاك سوى الاعتداء على الممتلكات والأشخاص وما زالت آثار تلك الجرائم راسخة في أذهان السكان، لا سيما الذين فقدوا عددا من ذويهم وأقربائهم، كما أن القرية كانت قد قدمت 35 شهيدا للثورة التحريرية المباركة وكانت إحدى المناطق التي كان يقوم بها الجيش الفرنسي بعمليات تمشيط ومداهمات وإهانة سكانها... وبعد الاستقلال ورغم الحرمان إلا أن أهلها يفتخرون بدورهم في استرجاع كرامة الجزائر من الاستعمار الفرنسي.