محلي
سكان قرية تبودة بسبدو يعانون التهميش والإقصاء
تلمسان
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 نوفمبر 2013
ومن جملة المشاكل التي طرحها سكان القرية التي تتعلق بالجانب الاجتماعي والخدمات في طابعها الشامل والمتعدد الجوانب وحسب الأولوية ومنها قضية اهتراء شبكة الطرقات داخل التجمع السكاني، والمتكوّن من عدد
محدود من الأحياء وبنايات هنا وهناك، حيث لم تعرف هذه المسالك أي عملية تعبيد ولا تزفيت ولا حتى تهيئة بسيطة منذ فترة طويلة وهو المشكل الذي يؤرق المواطنين ويتجدد الموعد مع معاناتهم حسب خصوصية كل فصل مثل ما هو الحال مع موسم كل فصل شتاء خلال الفترة الحالية أين بدأ الموسم البارد يدق ناقوسه في مؤشرات تهاطلات مطرية مرتقبة ومنتظرة عاجلا أو آجلا والتي تكفي بعض اللحظات منها لتحول هذه المسالك ومعظمها ترابية وطينية إلى أوحال وبرك مائية يصعب معها الحركة تعزل المساكن رغم تواجدها قريبة من بعضها البعض، وليس هذا فحسب بل إن مشكلة اهتراء الطرقات امتدت إلى غاية الطريق الرئيسي الذي يربط تبودة بباقي التجمعات السكانية المجاورة لا سيما عاصمة البلدية سبدو وهو الخط الأكثر أهمية بالنسبة للمواطنين، في منطقة معروفة أيضا بقساوة مناخها وتشهد بشكل مستمر في كل سنة تهاطلات معتبرة للثلوج تجعل الجهة معزولة لعدة أسابيع دون مؤونة ودون امدادات مثلما حدث خلال المواسم الأخيرة. كما أن موعد المعاناة يكون له شكل آخر خلال فصل الصيف حيث تنتشر الأتربة والغبار بمجرد هبوب رياح صيفية حارة وهي كثيرة لا سيما أن تبودة منطقة سهبية تمتد على مئات الهكتارات المسطحة عارية من محيط جبلي، ما يزيد الأمر سوءا أيضا أن الأرصفة غير مهيأة.
أزمة نقل خانقة و"الكلوندستان" هو الحل
رغم أن تبودة لا تبعد عن مقر الدائرة سبدو سوى بنحو خمسة كيلومترات، إلى درجة أنه يمكن رؤيتها بالعين المجردة على هذه المسافة، إلا أنها تعاني أزمة نقل خانقة لا سيما تلك المتعلقة بالنقل الجماعي وحتى بأصحاب سيارات
الأجرة، وعلى الرغم من وجود عدد منها يعمل إلا أن عددها المحدود ساهم في تشكيل خلل بين العرض والطلب، وفي الوقت الذي تتباين فيه أسباب عزوف الناقلين الخواص على ممارسة هذه المهنة بالجهة إلا أنه من بين الأسباب في مقاطعة العمل على الخط الذي يؤدي إلى القرية باتجاه سبدو يتعلق الأمر باهتراء الطرق ما جعل العديد من المركبات تتعرض لأعطاب وأيضا أن الخط غير مربح لهؤلاء بالنظر لغياب الزبائن وعادة ما يبقى الناقل في نقطة التوقف في انتظارهم لعدة ساعات دون أي نتيجة وكان لذلك أيضا وقعا سلبيا في عدم تطور النقل بالجهة، وهو ما أدى إلى مشكلة نقل حادة في قرية تضم فقط بضعة المئات من السكان، يحدث ذلك على الرغم من أن الذين يحتاجون إلى النقل يوميا لأغراض العمل أو الدراسة عدد قليل ويظهر ترددهم على المحطة فقط في الساعات الأولى من الصباح ولا يعودون للظهور إلا في المساء، إلا أن الأزمة تتضاعف لا سيما في هذه الفترات إلى حد مشادات وصراع بين الزبائن للظفر بمقعد في المركبة، أما في الأوقات المتأخرة من المساء لا سيما عند توقف نشاط هذه الحافلات مساء، فلإن السكان يضطرون إلى الاستنجاد بسيارات "الكلونديستان" للتنقل والعودة إلى منازلهم، وهنا يطرح أشكال آخر يتعلق بالأسعار التي تعتبر مرتفعة مقارنة بالمسافة رغم أن سكان تبودة معظمهم من الطبقة البسيطة والمتواضعة اجتماعيا وفي بعض المناسبات يضطر عدد منهم لا سيما التلاميذ والشباب إلى قطع كل هذه المسافات سيرا على الأقدام.
تردي التغطية الصحية وغياب الإنارة العمومية
ومع ذلك تطرح عدة حالات استعجالية تتكرر باستمرار خاصة أثناء المرض الطارئ أو إصابات خطيرة مفاجئة وأيضا الولادات وهي ظروف غالبا ما تحدث في فترات متأخرة من الليل ما يكبد السكان واقعا مرا مضاعفا، كما يطرح سكان تبودة أيضا مشكلة أخرى تتعلق بالجانب الصحي من خلال تجدد قضية قاعة العلاج الوحيدة بالقرية وعلى الرغم من الخدمات التي تقدمها للمواطنين لا سيما الأمور البسيطة إلا أنها لا تلبي جميع الطلبات والاحتياجات خاصة في غياب المستلزمات الطبية والأدوية الضرورية مقارنة بحجم القرية وأيضا لحجم الحالات الاستعجالية المسجلة يوميا.. وما يزيد الأمر سوءا أن هذه القاعة تعمل كإدارة ولا تفتح إلا أياما معدودات خلال الأسبوع كما أنها لا تقوم بذلك إلا خلال ثماني ساعات فقط وتغلق أبوابها ليلا ولا يشرف عليها سوى ممرض، وليس هذا فحسب بل إن تبودة تفتقد أيضا لسيارة إسعاف وحضورها استعجالا يتطلب الاتصال بالمؤسسة الاستشفائية لسبدو وهنا يبقى أمرا آخر في القضية وفي مقدمتها أن حضور السيارة لنقل المرضى يبقى غير مضمون فتارة يلقى المريض ردا بأن السيارات كلها في مهمة وتارة أنها معطلة وأحيانا لا يتم الرد عليه إطلاقا وفي حالات أفضل وعند تلبية النداء لا تحضر سيارة الإسعاف إلا في وقت متأخر يكون حينها المريض قد استعان بسيارة "كلوندستان" لنقل المريض في حالة صعبة وظروف غير صحية على أمل مصارعة ومقارعة الموت أو تضاعف الآلام إلى حين الوصول إلى اقرب مستشفى من تبودة والموجود بسبدو.
غياب الإنارة العمومية ساهم في الجريمة
كما يطرح سكان القرية إشكالية غياب الإنارة العمومية عبر مختلف أزقتها إلا من خلال تواجد بعض الأعمدة، فمنها ما تشتغل وهي محدودة العدد وأخرى معطلة ومكسرة وأخرى لم يتم صيانتها، أما الأعمدة التي تشتغل فهي تضئ بشكل ضعيف جدا بالنظر لقدم وتآكل قوة مصابيحها التي نصبت منذ سنوات ومع ذلك ما زالت تشتغل وهي معرضة للعطب المفاجئ بين الحين والآخر ولا تعود للعمل إلا كما تشاء. وتسببت هذه الوضعية في تسجيل عدة حوادث لا سيما أنها مناخا وجوا مناسبين لعصابات اللصوص لتنفيذ عمليات السطو على المنازل والممتلكات وهو ما انعكس سلبا على السكان الذين يتعرضون بشكل مستمر إلى عمليات سطو منظمة ومستهدفة خاصة مع تزايد عدد المنحرفين بهذا التجمع السكاني والذي لا يعكس طابع الحياة الاجتماعية لقاطنيه، وطال الأمر أيضا سرقة المواشي مثلما حدث في عدة مناسبات خلال الفترة الأخيرة حيث كانت تبودة أكثر المناطق تعرضا لمثل هذه العمليات الإجرامية.
غياب قنوات الصرف الصحي ينذر بتفشي أمراض خطيرة
وما يؤكد فعلا أن تبودة نموذجا للعزلة والحرمان هي أنها تفتقد أيضا إلى قنوات الصرف الصحي وهو ما يهدد المواطنين بمشاكل صحية وانتشار الأمراض المتنقلة عن المياه، لا سيما فترات الصيف نتيجة ركود المياه القدرة والمستعملة في حفر نشأت نتيجة مرور هذه المياه العكرة تساهم في انتشار الحشرات الضارة كالناموس المحمل بالميكروبات والجراثيم وأيضا الذباب ويكاد الأمر يتكرر وبشكل آخر في فصل الشتاء اين تختلط مياه الشرب بالمياه القدرة ما يهدد السكان بمرض التيفؤيد. وما يثير الانتباه في القضية أن السكان ما زالوا يعتمدون على المطامير والتي تضاف إلى كل هذه الظروف الصعبة في قرية تمثل نموذجا من المفترض أن يحظى باهتمام بالغ لتفادي النزوح الريفي طبقا لاستراتيجية الدولة في هذا الشأن، إلا أن هذا التجمع السكاني بعيد عن المشاريع التنموية لا سيما تلك التي تصنف في قائمة الأولويات أو القاعدية منها كما أنها تعاني اهتراء في قنوات المياه الصالحة للشرب، في وقت توجد عدد سكنات بعيدة عن هذه الخدمة ويضطر السكان إلى جلب المياه عن طريق الصهاريج منها البلاستيكية وأخرى المعدنية في ظروف غير سليمة انطلاقا من آبار مجاورة وأخرى من عيون تفتقد للمتابعة الطبية ولا لمعالجة المياه وتستهلك مباشرة من مصدرها.
مرافق شبانية وترفيهية مطلب الشبان
ويطرح غياب الهياكل الشبانية والترفيهية وتواضع أداء تلك الموجودة مشكلا أخر، حيث تفتقد القرية إلى فضاءات وقاعات مخصصة لذلك خاصة أن تبودة تضم تعدادا معتبرا من الشباب ومن المواهب التي تجد نفسها أمام ساعات من الفراغ يوميا ويشكل ذلك صدمة لهم كما يسهل لهم أيضا طريق الانحراف وسلوك تصرفات مشينة، فلم يجد البعض منهم إلا تناول المخدرات كسبيل للهروب من البطالة وآخرون يحترفون مختلف الجرائم، ومع ذلك دفعت هذه الوضعية بعض السكان إلى هجرة تبودة أما البعض الآخر ومن الذين ليس لهم من ملاذا آخر فدعو إلى ضرورة النظر الجاد في مختلف المشاكل والانشغالات التي يطرحها السكان من خلال تخصيص مشاريع إنمائية هادفة تليق بكرامتهم كسكان وبإمكانها رفع الضغط والغبن عليهم وتحسين وضعية المواطن من خلال تجديد العهد مع زيارات ميدانية للمسؤولين إلى القرية والتي يتذكرونها إلا خلال الانتخابات المحلية من أجل الظفر ببضع العشرات من الأصوات لساكنيها ومن حينها لا يظهر لهم أثر إلا بعد خمس سنوات من ذلك ومع موعد جديد للاستحقاقات من هذا النوع.
التدخل أصبح ضروريا وحتميا
ومع كل هذه الظروف القاسية والصعبة ناشد سكان قرية تبودة السهبية والتي تعتبر إحدى أهم التجمعات السكانية الريفية المعزولة بإقليم دائرة سبدو جنوب ولاية تلمسان السلطات المحلية وعلى أعلى المستويات وفي شتى القطاعات ضرورة التدخل الفعال والجدي من أجل إيجاد حل حول مختلف المشاكل والانشغالات التي يعانيها السكان بشكل يومي وجاء نداء الاستغاثة هذا للسكان نتيجة تأخر التنمية بالقرية، في وقت دفعت فيه هذه الوضعية القاسية غالبية السكان إلى الهجرة والتوجه نحو المناطق المجاورة لا سيما الحضرية منها أو حتى الشبه حضرية، بحثا عن ضروريات الحياة الكريمة أو القريبة من ذلك إلى حد ما رغم أن ذلك له انعكاسات سلبية على التوازن السكاني بين الحضري والريف ولا ينسجم كما لا يتطابق مع استراتيجية الدولة الرامية إلى الحد من ظاهرة النزوح الريفي والحد أيضا من ترييف المدن الحضرية، ولكن أيضا مع التقليص من فوارق التنمية في هذه المناطق ولن يكون ذلك إلا من خلال توفير ضروريات الحياة الكريمة.