دولي

"مقابر الأرقام" جرحٌ يُنكأ مع كل صفقة

الاحتلال كان قد وعد بالافراج عن أكثر من 30 جثة

 

"مقابر الأرقام" اسم رمزي يطلق على مئات بل آلاف القبور التي أنشأتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لدفن جثث الأسرى والضحايا، الذين اغتيلوا على أيدي قوات الاحتلال، والتي يعطى كل قبر من تلك القبور رقماً خاصاً به لا يتكرر مع آخر، وكل رقم من هذه الأرقام دال على ضحية معينة، ويرتبط رقم قبره بملف عن المدفون مع السلطات الإسرائيلية.

وتماطل سلطات الاحتلال منذ عشرات السنين في تسليم تلك الجثث التي تحتويها تلك المقابر إلى ذويها لدفنهم في مناطق سكناهم وفقاً للطريقة الإنسانية والدينية، وتستخدم تلك الجثث كورقة مساومة في أي مفاوضات تتم مع الجانب الفلسطيني.

 

فقدان الجثث

 

 

هذا ويؤدي تحلل تلك الجثث وتقاربها من بعضها البعض وانجراف البعض الآخر أثناء فصل الشتاء بفعل السيول ومياه الأمطار إلى فقدان العديد من تلك الجثث، وهو ما حدث على سبيل المثال مؤخراً مع جثمان الشهيد أنيس محمد دولة الذي وقع أسيراً في قبضة قوات الاحتلال الإسرائيلي إثر معركة خاضها ورفاقه في منطقة الأغوار بتاريخ 30/6/1968، وحكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن المؤبد مدى الحياة.

وبقي دولة أسيراً في سجون الاحتلال إلى أن سقط شهيداً في سجن عسقلان يوم 31/8/1980 إثر تدهور حالته الصحية جراء مشاركته في الإضراب البطولي الذي خاضه الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ودام لأكثر من ثلاثين يوماً، وجرى بعدها تشريح جثمان الشهيد دولة في معهد الطب الشرعي الإسرائيلي " أبو كبير".

وقد قالت سلطات الاحتلال بعد مطالبتها من قبل مؤسسات حقوقية بالإفراج عن جثمانه في العام 2010 أن الجهات الأمنية الإسرائيلية استنفذت سبل البحث عن جثمان الشهيد أنيس محمود دولة ولم تجده في المكان المحدد لجثمانه، وتعهدت بإرجاع الجثمان حال عثورها عليه مستقبل.

وتثير مثل تلك الحوادث السؤال "إلى متى سيتم الاحتفاظ بجثامين الشهداء في مقابر الأرقام في حين الحكومة الإسرائيليّة تستهتر في أهم الحقوق الإنسانية وهو كرامة الميت؟"، علماً أن الاستهتار وعدم التوثيق وفقدان الجثمان يتنافى مع كل المواثيق والأعراف الدولية بل ويتنافى مع القانون الإسرائيلي نفسه.

 

مقابر الأرقام

هذا وكانت مصادر صحفية إسرائيلية وأجنبية قد كشفت في السنوات الأخيرة معلومات عن أربع مقابر أرقام في المناطق المحتلة عام 1948هي:

1. مقبرة الأرقام المجاورة لجسر " بنات يعقوب " و تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية – السورية – اللبنانية، وتفيد بعض المصادر عن وجود ما يقرب من 500 قبر فيها لشهداء فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.

2. مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر داميه في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية " مقبرة لضحايا العدو " ويوجد فيها أكثر من مائة قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً من " 5003 – 5107 " (ولا يعرف إن كانت هذه الأرقام تسلسليه لقبور في مقابر أخرى أم كما تدعي "إسرائيل" بأنها مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى ).

3. مقبرة " ريفيديم " وتقع في غور الأردن.

4. مقبرة " شحيطة " وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا. غالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975. 

وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة ينتشر نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، فيما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحاً، ومما يثير المشاعر كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضارة.

 

وعودات بالإفراج

ووعدت سلطات الاحتلال مجدداً وخلال جلسات المفاوضات مع السلطة الفلسطينية أنها ستفرج عن أكثر من 30 جثة من شهداء مقابر الأرقام في السابع من نوفمبر المقبل وفقاً لما ذكرته صحيفة "معاريف" العبرية، وأشارت "معاريف" إلى أن من بين الجثامين الـ 30 التي سيُفرج عنها ثلاثة جثامين لشهداء من فلسطينيي الـ 48.

وبالرغم من أن تسلم بعض أهالي شهداء مقابر الأرقام لجثث أبنائهم ينكأ جراحهم، إلا أن حالة القلق والانتظار التي عاشوها عشرات السنوات تتلاشى مع دفن رفات ذويهم بطريقة إنسانية وإسلامية.

ولكن الاشكالية التي تبرز كلما يفتح ذلك الجرح هو مدى قدرة سلطات الاحتلال الفعلية على التعرف على أسماء أصحاب تلك الجثث، حيث أنها سلمت السلطة في مرات سابقة جثث بدون أسماء أصحابها وتم دفنها في المناطق الفلسطينية دون معرفة أسماء أصحابها إلى اليوم.

القسم الدولي

من نفس القسم دولي