الحدث

الجالية الجزائرية.. فاعل محوري في معادلة التنمية القارية

كفاءات المغتربين تتصدر المشهد بمعرض التجارة الإفريقية 2025

 تحولت الجالية الوطنية المقيمة بالخارج من مجرد امتداد رمزي إلى فاعل محوري في معادلة التنمية الاقتصادية، ليس فقط على المستوى الوطني، بل القاري أيضًا، وقد أظهر معرض التجارة البينية الإفريقية 2025، مدى الأهمية المتزايدة التي توليها الدولة الجزائرية لأبنائها في الخارج والرهان الحقيقي على كفاءاتهم ومؤهلاتهم في بناء اقتصاد وطني متنوع ومندمج إفريقيًا.

تشهد الجزائر اليوم منعطفًا استراتيجيًا في علاقتها مع جاليتها بالخارج، إذ لم تعد النظرة إلى هذه الشريحة الواسعة من المواطنين تقتصر على كونها مصدرًا للتحويلات المالية أو داعمًا معنويًا فحسب، بل تحولت إلى ركيزة فعلية في معادلة التنمية الاقتصادية الوطنية والقارية على حد سواء، كما تجلّى ذلك بوضوح خلال فعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية 2025.

500 ترشح من كفاءات المهجر لمجلس صناعة السيارات

وباتت الحكومة تراهن على أبناء الجالية الجزائرية كقوة اقتراح وإنجاز، واستدلت بذلك من خلال إطلاق عدة مبادرات ملموسة، من أبرزها إنشاء مجلس الخبرات الوطنية لصناعة السيارات وقطع الغيار، الذي لقي تجاوبًا واسعًا، حيث تم تسجيل حوالي 2500 ترشح، منها 500 من كفاءات الجالية المقيمة بالخارج، وفق ما أكده الوزير الأول بالنيابة، سيفي غريب.

وفي هذا السياق، أكد الوزير الأول بالنيابة، أن إشراك الجالية الجزائرية بالخارج لم يعد خيارًا تكميليًا بل "ضرورة استراتيجية"، حيث كشف عن تسجيل 2500 ترشح  للمساهمة في إنشاء مجلس الخبراء الوطني لصناعة السيارات وقطع الغيار، من بينها  500 ترشح من أفراد الجالية، ما يعكس – حسب تعبيره – "رغبة جماعية لدى كفاءاتنا في الخارج للمساهمة الفعلية في التحول الصناعي للجزائر".

  من الخبرة إلى التأثير

 وأوضح غريب، خلال حفل استقبال ممثلي الجالية المشاركة في فعاليات المعرض، أن المجلس المنتظر إنشاؤه سيعمل على رسم ما أسماه "خارطة طريق وطنية لصناعة السيارات"، تشمل توجيه الإدماج الصناعي، توثيق الكفاءات البشرية، وتحديد المعايير اللازمة لاعتماد المصنعين، ولم يتوقف الاهتمام عند حدود الصناعات الميكانيكية، بل تم طرح مشروع شبكة وطنية للتملك ونقل التكنولوجيا، يتم من خلالها تفعيل مساهمة الكفاءات الجزائرية في المهجر في دعم السيادة التكنولوجية والصناعية للبلاد، وهي خطوة تهدف إلى إنهاء التبعية المزمنة للاستيراد.

وقد أطلق الوزير الأول نداءً ثانيًا، دعا من خلاله جميع الكفاءات الجزائرية بالخارج، في مختلف التخصصات، إلى الانضمام لهذا المسار الواعد، مؤكدًا أن الدولة جاهزة لتوفير البيئة اللازمة للعمل المشترك، ولتثمين المهارات الوطنية أينما وُجدت.

  الجالية في واجهة المعرض القاري

 من جهة أخرى، شهدت فعاليات "يوم الجاليات الإفريقية"، ضمن معرض التجارة البينية الإفريقية، لقاءً استثنائيًا جمع نحو 100 مستثمر من أبناء الجالية الجزائرية، بحضور كاتب الدولة المكلف بالجالية، سفيان شايب ووزير التكوين والتعليم المهنيين، ياسين المهدي وليد، وبمبادرة من المجلس العالمي للجالية الجزائرية، وهو اللقاء الذي جاء ليكرّس الطابع القاري والدولي لدور الجالية، حيث تم التأكيد على أن أبناء الجزائر المقيمون في الخارج ليسوا فقط جزءًا من الأمة، بل "سفراء فاعلون لقيمها ومصالحها الاقتصادية في العالم".

وفي هذا الصدد، شدد شايب على أن المجلس العالمي للجالية "جاء استجابة لتطلعات عميقة لدى أفراد الجالية، نحو التنظيم الذاتي والاضطلاع بدورهم كممثلين أوفياء للجزائر في بلدان الإقامة"، كما أعلن بدوره مؤسس المجلس العالمي للجالية،  كريم زريبي عن إطلاق "هيئة وطنية خاصة بالجالية" تتكفل بمرافقة حاملي المشاريع، تسهيل الإجراءات، تحسين خطط الأعمال، وفتح قنوات مع المؤسسات المالية والهيئات الحكومية، على غرار الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وأضاف أن عدد الجزائريين المقيمين بالخارج يناهز سبعة ملايين، منهم خمسة ملايين بفرنسا وحدها، وهو رقم يعكس عمق الامتداد الشعبي الجزائري في العالم، ويستوجب – حسب قوله – تحويله إلى "قوة منظمة مؤثرة"، عبر هيكلة المجلس بفروع في مونتريال، لندن، نيويورك، الدوحة، و50 مدينة فرنسية، بل وحتى فرع خاص في البرلمان الأوروبي، كما اوضح المسؤول أن الهدف المعلن من هذه الشبكة هو بناء "لوبي جزائري عالمي"، يتكفل بسرد "قصص النجاح" الجزائرية، ويصحح الصور النمطية المغلوطة، في سياق عالمي يشهد تصاعد خطابات العنصرية والتطرف.

ومن خلال كل هذا، يظهر جليا مدى الاهتمام الذي توليه الدولة الجالية لأبنائها بالخارج، فمن خلال هذا الزخم السياسي والمؤسساتي، تؤكد بلادنا أن الوقت قد حان لرد الاعتبار الكامل للجالية الوطنية ليس من منطلق رد الجميل، بل من منطلق الكفاءة والقدرة على المشاركة في التنمية الوطنية والقارية، ما يعكس وجود إرادة سياسية واضحة، لتحويل الجالية إلى قوة اقتراح وتأثير وإنجاز.

وبدوره، فإن معرض التجارة البينية الإفريقية 2025 ليس مجرد تظاهرة اقتصادية، بل منصة لبعث رؤية متكاملة تنطلق من الداخل وتشمل أبناء الجزائر بالخارج، بهدف تحقيق تكامل تنموي جزائري – إفريقي، تساهم فيه الجالية ليس فقط كقناة استثمار، بل كجسر حضاري واقتصادي بين الجزائر ومحيطها القاري والدولي.

من نفس القسم الحدث