محلي
الشروع بـ"غوفي" في إنجاز مسلك سياحي لاكتشاف قريتي أولاد منصور وأولاد يحيى العتيقتين
باتنة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 سبتمبر 2013
يشهد موقع "غوفي" السياحي الشهير الكائن ببلدية غسيرة (85 كلم جنوب عاصمة الأوراس) أشغال إنجاز مسلك سياحي للراجلين لاكتشاف قريتي أولاد منصور وأولاد يحيى العتيقتين والواقعتين في الضفة الأخرى من الوادي الأبيض أو "إغزر أملال".
وتتضمن العملية التي رصد لها مبلغ بـ 7 ملايين د.ج في إطار المخططات البلدية للتنمية لسنة 2013 وفقا لما صرح به رئيس بلدية غسيرة السيد بلقاسمي عبد الحكيم توسيع الشرفة السادسة بغوفي بشكل يسمح للزوار بالتمتع بالمناظر الخلابة الموجودة بهذه الجهة من الموقع وكذا تهيئة مسلك سياحي يسهل عملية النزول إلى أسفل الشرفات.
وستعطي المبادرة حيوية جديدة للموقع حسب أقدم دليل سياحي بالجهة محمد بن مدور المشهور في أوساط المترددين على غوفي باسم "حرودة" لأنها "ستجعل من النزول إلى الأسفل عبر الإلتواءات الصخرية الوعرة للموقع عملية هينة وغير متعبة إلى جانب تمكين السياح المحليين والأجانب من الوصول إلى البيوت الصخرية المنتصبة في أعالي الضفة الأخرى من الوادي وكأنها تحرص المكان بعيون لا تنام".
وهناك سيكتشف الزائر متعة أخرى تضاف لسحر المكان وهو يقتفي آثار شخصيات وأعيان عاشوا بالمنطقة وكثيرا ما يحلو لسكان الجهة الحديث عنهم لأنهم ببساطة أصبحوا جزء من تاريخ غوفي ومنهم الشيخ الصالح بن مدور ومحمد يكن الغسيري.
والمتتبع لفجوج الوادي الأبيض باتجاه الجنوب نحو مشارف ولاية بسكرة عبر مشونش بعد تتبعه للمسلك فسيصل حتما إلى أسفل المكان الذي يعرف لدى سكان الجهة منذ القديم باسم "أدار نتسليث" أو كاف العروس حسب السيد حرودة الذي أكد بأن المكان يحمل شاعرية ويعطي لزائره إحساسا بالجمال الممزوج بطعم الأسى.
وتروي الأسطورة التي مازالت الذاكرة الجماعية بهذه المنطقة من غوفي تحفظها إلى اليوم أن المكان شهد في سنوات خلت سقوط مميت لعروس من أعلى الجبل الصخري إلى أسفل الوادي على ارتفاع يتراوح ما بين 500 و900 متر ليلة زفافها.
وإن اتفقت الروايات على أن العرس كان بين أقوى وأكبر عرشين بهذه الجهة من الأوراس أولاد يحيى وأولاد منصور فإنها اختلفت في انتساب العروس لأي منهما وسبب سقطوها.
فمن الرواة من يقول إن طلقات البارود التي كانت ولا تزال مفخرة الأوراسيين في أعراسهم أفزعت الفرس التي كانت تقل العروس وتسببت في سقوطها المميت في حين يذهب آخرون وهم كثر إلى أن العروس رمت بنفسها من الأعلى رافضة الزواج من شخص لم تختره مشاعرها ولم تره من قبل لأن العادات والتقاليد كانت تحتم على العروسين عدم الالتقاء قبل ليلة الزفاف ليخلد سكان الجهة الحادثة بتسمية المكان باسم كاف العروس.
غوفي سحر وجمال وفضاء مفتوح على الماضي الغابر
ويقول الحرفي زغدود حشاني صاحب خيمة تقليدية كبيرة تعرض فيها أواني وحليّ وألبسة تقليدية وكذا أطعمة مشهورة بالمنطقة بأن هذا المسلك كان مطلب حرفيي المنطقة منذ سنوات لأن زوار الموقع يعربون في كل مرة عن رغبتهم الجامحة في الغوص في أعماق الشرفات وتتبع سيول المياه المنسابة في الوادي الأبيض على عمق يصل في بعض الأماكن إلى 1000 متر أسفل الشرفات الواقعة بمحاذاة الطريق الوطني رقم 31 الرابط بين ولايتي باتنة وبسكرة.
ولم يخف المتحدث بهجته في تجسيد هذا المشروع الذي سيعطي نفسا جديدا لهذه الجهة من الشرفات المطلة على قلعتي أولاد يحيى وأولاد منصور وحتى للحركة التجارية بالمحلات المحاذية لها مضيفا باعتزاز الأمازيغي الأصيل بأن المكان الذي سيشهد توسيع الشرفة وتهيئتها لاستقبال الزوار ومد المسلك يسمى "هيتشلط" وهو الاسم الذي أطلقه على خيمته التقليدية التي نصها في الجهة المقابلة لقلعة أولاد منصور نسبة إلى امرأة أمازيغية بارعة الجمال كانت تحكم المنطقة كما قيل
فشرفات غوفي التي لم تبح بعد بكامل أسرارها الدفينة التي تظل حبيسة الأخدود الصخري الذي نحته عبر الزمن مجرى مياه سد "إغزر أملال" في أوقات عنفوانه أصبحت في السنوات الأخيرة تستعيد تدريجيا ود عشاق الطبيعة من السياح الوطنيين والأجانب.
ويجد الكثير من الزوار لا سيما في نهايات الأسبوع متعة كبيرة في الاستماع إلى حرفيين من أمثال زغدود وهم لا يملون من سرد حكايات وأساطير عن هذه الجهة الفريدة من نوعها ومنها منطقة إيشنتورث التي كانت –حسبهم- في الأزمنة الغابرة عبارة عن بحر ومنها يجلبون أصنافا من الحجارة مختلفة الأشكال منها أصداف ونجوم بحر متحجرة وحتى أحجار الكوارتز أو الجيود لبيعها كتذكار.
فغوفي الوجهة السياحية التي تفتح ذراعيها للسياح الوطنيين والأجانب مازالت تسحر بشرفاتها المنحوتة في الصخر وتحبس الأنفاس بمنظر مياه الوادي الأبيض المنساب بين أشجار النخيل والفاكهة المختلفة على عمق حوالي 1000 متر وكذا منازلها الحجرية المنتصبة في الجبال الصخرية وقلاعها التي تفنن الأولون في تشييدها.
ولا يمكن لزائر الموقع إلا أن يعاوده الحنين إليه مرات ومرات لأنه يعطي الإحساس لمن يكتشفه بأنه قطعة مهربة من التاريخ كل ما فيها يروي عن سيرة الأولين.