دولي
عبق البلدة القديمة بنابلس يفوح في رمضان
كغيرها من المدن الفلسطينية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 جولية 2013
"لا تشعر بأجواء رمضان إلا إذا تجولت في السوق ما بعد العصر، وزرت الأحياء القديمة ومتعت عيناك بمناظر تعيدك إلى عشرات السنين.. ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات التي يشتهيها الصائم، التي تبدأ بتشكلية واسعة من التمور والمخللات، مرورا بالعصائر والمشروبات الرمضانية مثل قمر الدين والخروب والتمر هندي والرمان وغيرها، وصولا إلى الحلويات الشهية كالفطير والقطايف والكلاج".
بهذه الكلمات وصف أبو مجاهد الكوني حال مدينة نابلس –عروس الشمال- في شهر الصيام، وتحديدا في ساعات ما بعد العصر وقبيل الافطار، حيث تكتظ الأسواق عن بكرة أبيها بالصائمين الذين يحارون فيما يشترون، من كثرة الأصناف المعروضة أمامهم من الطعام والشراب.
ويضيف ضاحكا بلهجة عامية "إذا نفسك تشوف حدا غايب عنك من زمان، ما إلك إلا تنزل بعد العصر على السوق رح تلاقيه هناك". في دلالة على تقاطر المواطنين على النزول للسوق وحرصهم على التجول في زواياه في كل يوم.
وكغيرها من المدن، لمدينة نابلس طقوسها الخاصة في رمضان، حيث تعج الأسواق بالباعة المتجولين وتتزين المحال التجارية بالأطعمة الخاصة برمضان، التي لا غنى عنها على مائدة الافطار.
زوار الخارج
التجول في أسواق البلدة القديمة عادة يمارسها غالبية سكان المدينة وحتى من القرى والمخيمات المجاورة. يقول كفاح علي من قرية قوصين المجاورة إنه دأب منذ عدة سنوات على اصطحاب رفقائه لزيارة نابلس والتمتع بأجوائها الرمضانية المميزة. قائلا "نابلس مدينة كبيرة وأسواق ممتدة على طول البلدة القديمة من السوق الشرقي حتى منطقة الدوار في الوسط وصولا إلى سوق البصل والياسمينة وغيرها، وهذا لا يتوفر في القرى، التي تعيش في فترة ما بعد العصر حالة هدوء وكأنك في "منع تجول".
ويتابع "قد لا نشتري شيئا، لكننا نمضي وقتا طيبا ونحن نسير بين الأزقة القديمة، ونمتع أعيننا وكأننا في معرض غذائي مفتوح.. تمر على باعة الحمص والفلافل المحشي بالبصل، وتشتم رائحة الخبر الطازج والصواني المشوية، ويصادفك تجمع كبير وسط الطريق لمواطنين ينتظرون دورهم للحصول على القطايف.. وما أن تنهي جولتك حتى يكون موعد الافطار قد اقترب فنعود إلى بيوتنا".
ولا تكاد تسير في نابلس القديمة أمتارا معدودة، حتى يصادفك إما بائع للقطايف بأنواعها التي تعتبر الحلوى المفضلة في الشهر الفضيل، وتكون على أشكال مختلف كالقطائف العصافيري، وهي صغيرة الحجم تحشى في العادة بالقشطة، ويصب عليها القطر، وهناك القطائف العادية وتحشى بالجبن المحلى أو المكسرات، ثم تشوى أو تقلى وتغمر بالقطر، إضافة لأقراص القطائف الكبيرة جدا، وإما باعة المشروبات وفي مقدمتها التمر هندي والليمون والعرق سوس والخروب والرمان. وفي الحالتين عليك الانتظار طويلا حتى يصلك الدور.
رمضان أيام زمان
ولا يذكر رمضان في نابلس إلا وتعود الذاكرة بكبار السن للوراء وخاصة في فترة الخمسينات والستينات. حينها كانت المدينة تنبض بالحياة والعفوية، ولا يعكر مزاجها شيء. تعيش رمضان بكل تفاصيله.
حينها كان رمضان نابلس يتميز بالترابط الاجتماعي وصلة الرحم عبر ما تسمى "فقدة رمضان"، وهي عادة كانت تلزم الرجال بزيارة النساء من عائلات الأقارب وهم محملون بالهدايا من المكسرات والحلويات.
يقول مواطنون كانوا عايشوا "رمضان نابلس..أيام زمان"، أن الأسواق والأحياء العتيقة بالمدينة لم تكن تخلُ من السهرات الرمضانية، غير أن تلك السهرات، وبسبب الطبيعة المحافظة للحياة الاجتماعية آنذاك، كانت منفصلة، حيث كان الرجال يتسامرون في المقاهي أو المنازل حول الحكواتي أو المنشدين للمدائح النبوية، فيما النساء كن يتسامرن في المنازل إلى ما بعد منتصف الليل، ويقطعن الوقت بالغناء والرقص على أنغام العود أو "لعب البرجيس".
شعرات الرسول
إلى ذلك، ثمة عادات رمضانية أخرى لم يسقطها التقادم من الذاكرة، كانت تبعث البهجة في ليالي رمضان، مثل "السوق نازل"، وهو طقس كان يحييه الفتية بتنظيم مواكب؛ لكي تطلق في فضاء الأمسيات الأغنيات والأناشيد وأضواء المشاعل.
وقد اعتاد النابلسيون في اليوم السابع والعشرين من الشهر الفضيل وغداة ليلة القدر أن يؤموا مسجد الحنبلي في البلدة القديمة عند صلاتي الظهر والعصر، حيث تعرض على المصلين وسط تهليلهم وتكبيرهم "الشعرات النبوية الشريفة" الذين بدورهم يقومون بتقبيل الزجاجة التي تضم هذه الشعرات وعددها ثلاث، وتعتبر الشعرات النبوية الشريفة من الرموز الدينية التي تنفرد بحيازتها بعض المدن الإسلامية ومنها مدينة نابلس.