محلي
مرافق خدماتية منعدمة والسكان أنهكتهم العزلة والتهميش
كاب جنات بولاية بومرداس
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 جوان 2013
تعد بلدية كاب جنات الواقعة بالجهة الشمالية الشرقية لولاية بومرداس من بين البلديات الريفية التي تفتقر للمرافق الخدماتية والنشاطات الاقتصادية التي من شأنها أن تنهض بالتنمية التي مازالت تعرف ركودا كبيرا عبر مختلف القطاعات، حيث مازال التهميش والعزلة يحيط بيوميات الكثير من سكان القرى والمداشر التابعة لها في الوقت الذي يطالبون فيه بتوفير أبسط مقومات العشي الكريم وإخراجهم من دوامة التخلف والحرمان الذي يعانون منه خاصة مع تزايد الكثافة السكانية للبلدية التي تتجاوز الـ 15 ألف نسمة.
يشتكي السكان القاطنين في القرى والمداشر التابعة لبلدية كاب جنات والمقدر عددها بـ 15 قرية من غياب العديد من المرافق الخدماتية الضرورية والتي زادت من تدهور ظروفهم المعيشية. فمعظم الطرقات مازالت عبارة عن مسالك ترابية لم تعبد منذ إنشائها في الستينيات وهو المشكل الذي زاد من عزلة هذه المناطق السكنية، أما فيما يخص خدمات النقل فحدث فلا حرج فمعظم السكان يجبرون على التنقل مسافات طويلة سيرا على الأقدام من أجل الوصول إلى مركز البلدية لقضاء حاجياتهم اليومية جراء عزوف العديد من الناقلين بتقديم خدمات لهم بحجة تعرض مركباتهم إلى أعطاب من الحفر والمطاب التي تحتويها الطرقات الرئيسية يتطاير منها الغبار في الصيف وتغزوها الأوحال في فصل الشتاء، إضافة إلى ذلك فإن غياب الانارة العمومية زاد من همومهم حيث يجدون صعوبات كبيرة في التجول أو الخروج من منازلهم في الليل أو بالنسبة للعمال والطلبة في الصباح الباكر. وقد أشار البعض منهم إلى أن بعد المسافة وغاب النقل والإنارة العمومية كان السبب في منع بناتهم من مواصلة تعليمهم في الطورين المتوسط والثانوي خوفا على سلامتهم لاسيما أن غالبية القرى عانت سكانها من ويلات الإرهاب مازالت آثارها إلى غاية اليوم.
مساحات زراعية خصبة مهملة جراء غياب الدعم الفلاحي
تشتهر كاب جنات بإنتاج الكثير من المنتوجات الفلاحية كغرس الخضروات بمختلف أنواعها من بطاطا، طماطم وكذا زراعة الكروم التي تعرف بجودتها ونوعيتها لكن نشاط الفلاحين عرف في السنوات الاخيرة تراجعا محسوسا أدى إلى تغيير الكثير منهم لنشاطاتهم بسبب غياب الدعم الفلاحي ومشكل غلاء الأدوية والبذور، إضافة إلى مشكل توفير مياه السقي بالرغم من أن هذه الأخيرة تتوفر بها مساحات زراعية شاسعة لكن بقيت مهملة وعرضة لزحف الاسمنت عليها، كما أن مربي الأبقار والمواشي بدورهم يشتكون من صعوبات وعراقيل في توفير الادوية والوسائل والمعدات الضرورية في عملهم بالرغم من التحفيزات التي يوفرها القطاع الفلاحي والقروض الممنوحة للفلاحين من أجل تطوير نشاطاتهم لكن معظمهم لا يعرف عنها جراء نقص الحملات التحسيسية في الأرياف والقرى والذي يشترط الحصول على بطاقة فلاح من أجل الاستفادة من البذور والآلات الفلاحية، كما أن عدم تأمين الفلاحين لممتلكاتهم زاد من خسائرهم ومن مخاطر الأمراض الزراعية التي تتلف مساحات كبيرة منها.
التسرب المدرسي هاجس يؤرق الأولياء
أكد أولياء التلاميذ أن ظاهرة التسرب المدرسي عرفت ارتفاعا محسوسا بهذه المنطقة، وذلك لعدم توفر الظروف الملائمة لها؛ كالمشاكل الاجتماعية والفقر والبطالة وأزمة السكن والعزلة التامة لبعض القرى والمناطق بهذه البلدية، زيادة إلى ما يتعرض له التلاميذ من عنف جسدي ونفسي سواء من طرف الأولياء أو المعلمين، إذ الضحية الكبرى هو التلميذ دائما، وهذا بسبب نقص التوعية والتكفل الاجتماعي ببعض الحالات كالفقر والعزلة؛ ما يجعل بعض الآباء يفرضون على أبنائهم مغادرة مقاعد الدراسة من أجل ممارسة نشاط رعي المواشي او أي نشاط فلاحي آخر يساهم في تحسين إطارهم المعيشي حيث يلجأ البعض إلى السفر خارج الولاية من أجل العمل، ومنهم من يعمل ضمن ورشات البناء لدى أحد الخواص، وهذا الأمر ينذر بكارثة اجتماعية توجب على السلطات التكفل بها من خلال تقريب المدرسة من المواطن، وتوفير العلاج والإطعام والنقل المدرسي من أجل الحد أكبر قدر ممكن من التسرب المدرسي وما ينجر عنه من آفات اجتماعية، لا يقدر على تحمل عواقبها الأولياء ولا المجتمع ولا السلطات.
ثروات فلاحية وسياحية هائلة وفرص الاستثمار والشغل في خبر كان
يطالب شباب كاب جنات بضرورة تدخل السلطات المعنية من أجل توفير مناصب شغل لهم بعد عزوف الكثير منهم على ممارسة النشاطات الفلاحية التي ظلت لسنين مصدر استرزاقهم مضيفين إلى أن منطقتهم أصبحت في طي النسيان، رغم أنّها تتوفّر على مقومات طبيعيّة وبشرية، كما أنها تتوفّر على قدرات كبيرة لتطوير قطاع الفلاحة والصّناعة، وأيضا الخدمات كالسياحة والتجارة، بالإضافة إلى توفرها على الأوعية العقاريّة التي من شأنها استقبال المشاريع التنمويّة بمختلف أنواعها، غير أنّ النشاط واستغلال الثروات يظل محتشما، ودون المستوى المطلوب، حيث يعيش السكان حالة من التخلّف التنموي الذي لا يزال يحاصرهم، خاصّة في القرى والمداشر البعيدة التي يعاني سكانها الفقر والحرمان، بسبب غياب المرافق والتّهيئة، بالإضافة إلى العزلة المفروضة عليهم، نظرا لعدم وجود أي هيكل عمومي من شأنه خلق مناصب شغل قارة لهم، والتي تسمح بإنعاش وتيرة الشغل وتوفير سبل العيش، وانتشالهم من دائرة الفقر المدقع الّذي يهدد مستقبلهم، كما يأملون بالتكفّل بانشغالاتهم، وتمكين المنطقة من الاستفادة من مختلف المشاريع التنمويّة، لأجل إنقاذها من التدهور المستمر وتشجيع الاستثمار فيها للدفع بعجلة التنمية.
عمل المحاجر يقلق السكان ومخاوف إصابتهم بأمراض تنهكهم
ومن جهة أخرى عبر سكان القرى القريبة من المحجرة التي تنشط في إقليم بلدية كاب جنات كأولاد بونوة واعبد الوريث من المتاعب اليومية التي يعيشونها جراء الازعاج الذي تسببه دوي الإنفجارات في المحجرة والتي تسببت في تصدع جدران منازلهم ناهيك عن المخاطر التي تهدد صحة العائلات التي تطالب بتدخل الجهات الوصية من أجل وضع حد للغبار الذي يستنشقونه والذي نتج عنه إصابة عدد كبير بأمراض الحساسية والربو، كما أن المسنين والأطفال الصغار يحرمون من الراحة والنوم بسبب الازعاج والضوضاء الذي تسببه الشاحنات ذات الوزن الثقيل التي تنقل الحصى من المحاجر التي تعمل لساعات متأخرة من الليل. فبالرغم من الشكاوى التي قدموها من أجل وضع حد للغبار الذي يهدد بكارثة ايكولوجية في المنطقة وفرض نظام العمل في النهار فقط لأن دوي الانفجارات يمنع العائلات من النوم، إلا أن الأمر مازال على حاله وهو ما زاد من استيائهم، مؤكدين أنهم سيخرجون إلى الشارع إن لزم الأمر لإسماع انشغالهم للسلطات المعنية.
تدعيم السكن الريفي يسير بوتيرة بطيئة والمواطن يطالب بحقه
رغم المجهودات الكبيرة التي تسعى إليها بلدية كاب جنات للحد من أزمة السكن التي يغرق فيها المواطنون بسبب الكثافة السكانية التي تزداد من يوم لآخر، إلاّ أنّ عدد الطلبات يفوق نسبة السكنات المنجزة، ناهيك عن مشكل السكنات الفوضوية التي شوهت المنظر بالرغم من مساعي السلطات المحلية لإزالة وهدم عدد كبير منها إلا أنها عادت إلى الواجهة ضاربة عرض الحائط القوانين والعقوبات التي تطبق تجاه المخالفين في البناء، أما فيما يخص برنامج السكن الريفي بالبلدية، فمازال بعيد عن الحصة التي تحتاجها البلدية حيث تم منح 400 إعانة لتدعيم السكن الريفي إلا أن هذه الحصة غير كافية تماما بالنظر إلى مئات الطلبات للحصول على إعانة 70 مليون سنتيم المخصّصة للبناء الريفي التي مازالت حبيسة أدراج المسؤولين منذ أزيد عشرية كاملة لأن أغلبية المواطنين لا يلتزمون بالشروط الضرورية للاستفادة من المبلغ، وأول هذه الشروط عدم حيازتهم على شهادة ملكية للأراضي الذي بات هاجس يحول دون إتمام مشاريعهم.
القطاع الصحي في القرى المعزولة والمناطق الجبليّة يحتضر
يشكو القطاع الصحي في القرى المعزولة والمناطق الجبليّة ببلدية كاب جنات من عدّة نقائص يصعب حصرها وتحديدها، بسبب كثرة العراقيل الّتي تحول دون الرّفع من مستوى ونوعيّة الخدمات الصحيّة المقدّمة، نتيجة التدهور شبه الكلي للهياكل الصحيّة الّتي تشكّل هاجس المواطنين الّذين يتحمّلون عبء التنقّل خارج الدائرة للحصول على بعض الخدمات. ففي الزيارة التي قادتنا إلى المنطقة صرّح السكان بأنهم يعانون في صمت من تردّي الخدمات الصحية في منطقتهم، بالإضافة إلى انعدام المعدات الضرورية للعلاج، ففي قرية "أولاد بونوة" يوجد مركز صحي واحد، دار عليه الزمن وحوّله إلى هيكل بلا روح. فغياب اهتمامات المسؤولين عن هذه المنطقة جعل منها كارثة حقيقية، إذ لا يتوفر المركز على أدنى الوسائل الضرورية وشروط العمل، حتى طاولة العلاج لم تجدّد منذ سنوات الثمانينيات، كما أنّ سقفه اهترى وتآكلت جدرانه، وكوابل الكهرباء معلقة، وهناك خطر كبير في التعرض لصعقة كهربائية لو لامست الماء، حتى السياج الذي يحيط بهذا المركز الصحي من الخارج أكله الصدأ بسبب قدمه، إذ لم يغير منذ أكثر من 20 سنة. ففي هذه الظروف المأساوية يعمل الطبيب والممرّض الوحيد الذي راسل أكثر من مرّة الجهات المختصّة، إلا أن هذه الطلبات لم تلق آذانا صاغية. ويؤكد السكان أنهم من أجل الاستفادة من خدمات صحية يضطرون إلى قطع كيلومترات للوصول إلى مستشفى بومرداس، وتستمر معاناتهم ما لم يجدوا طبيبا مختصا أو أجهزة الأشعة التي لا يستطيعون دفع تكاليفها الباهظة في العيادات الخاصة.
الغاز الطبيعي والماء الشروب مطلب سكان المداشر
يعاني سكان بعض قرى بلدية كاب جنات من عدم التكفل الاجتماعي بهم، وهو، القاسم المشترك بين مواطني القرى والمداشر البعيدة والمعزولة، كما أنهم يعانون من الظروف الطبيعية القاسية جدا، خاصة في فصل الشتاء، حيث تشتد أزمة غاز البوتان عليهم، مع اشتداد موجات البرد المتلاحقة، إذ تعرف هذه المنطقة مناخا جد قاس في فصل الشتاء، ويزداد الطلب على قارورة الغاز، كما أن برودة الطقس تدفع بهم إلى الخروج للغابة وجمع الحطب الجاف من أجل التدفئة والطبخ، بسبب تماطل السلطات المحلية بربطها بشبكة الغاز الطبيعي التي تعبر قريتهم، حيث يقول السكان إن خطر التفجير المتعمد لقنوات الغاز من قبل الإرهابيين بات يهددهم في كل مرة. ورغم أن المشروع مبرمج لهذه القرى، إلاّ أنّ الأشغال لم تنطلق به، وفي ظل هذه الأزمة والمعاناة يناشد السكّان السلطات التعجيل في انطلاقه لحل أزمتهم مع قارورة غاز البوتان.
وعلى صعيد آخر، لا تزال رحلة البحث عن الماء الصالح للشّرب تطبع يوميات القرى منذ سنوات، دون إيجاد حل لهذه المعضلة الّتي نغصت معيشة السكّان بمختلف شرائحهم، حيث تحوّلت إلى أزمة عطش حادة بفعل جفاف حنفياتهم وحرمانهم من هذه المادة الحيويّة التي تعتبر عنصر الحياة، فسكّان المناطق المعزولة يقطعون يوميا مسافات طويلة للبحث عن منبع يتزوّدون منه، رغم الشّكاوى المتكرّرة للمواطنين الّذين يناشدون المعنيين بالأمر بضرورة وضع حد لمعاناتهم.