محلي

التسول بين "الحرفة" والحاجة

ظاهرة غريبة على المجتمع

على غرار كل مدن الوطن أصبحت العديد من بلديات المدية مقصدا للكثير من المتسولين والوجهة المفضلة للكثير ممن احترفوا هذه المهنة من الجنسين بمختلف الأعمار، حيث أصبح وجودهم مألوفا يوميا من طلوع الشمس إلى  مغيبها، والكل يبدع  بطريقته الخاصة قصد استمالة قلوب المواطنين للظفر ببعض النقود.

فمن بين هؤلاء المتسولين من يدعي انه غير قادر على عيال 8أو 10 إفراد، وآخر يشهر وصفة دواء لا يستطيع شراء الدواء لابنه المريض أو المعاق، وأطفال صغار البراءة على وجوههم يدعون أنهم أيتام بدون أب، وشيخ اشتعل رأسه شيبا يتمتم بعبارات فيها الكثير من الغضب على أبنائه الذين اضطروه إلى عالم التسول، وأم تحمل ابنها الرضيع متخذة الأرض فراشا لها  رافعة يديها إلي السماء تدعو علي زوجها الذي طلقها وتركها عرضة لذئاب الشوارع، وآخر جالس على قارعة الطريق رث الملابس حافي القدمين يدعو لمن يعطيه قليلا من الدنانير لشراء حذاء أو قميص.

 المتسولون يغزون حتى القرى والبلديات النائية

لم يعد  التسول يقتصر على البلديات أو المدن الكبرى بالولاية فقط بل تعداها  إلى البلديات ذات الكثافة السكانية القليلة أو النائية كبلدية بني سليمان وسيدي الربيع والقلب الكبير وجواب والعزيزية و غيرها  فهذه البلديات تشهد تواجدا رهيبا للمتسولين الذين يختفون ليلا ويظهرون مع إطلالة الصباح، يزداد عددهم  كالفطريات خاصة في  المناسبات والشهر الفضيل والأعياد يختارون أماكن التسول بعناية فائقة فنجد مثلا امرأة وطفلين بالقرب من مسجد  النور بوسط المدية وتواجد أخرى أمام دار المالية  وفي جميع الأماكن التي تكثر فيها الحركة على غرار مراكز البريد والأسواق الشعبية ومحطات الحافلات .

 متسولون يحبذون النقود يرفضون المواد الغذائية والملابس

يمتنع الكثير من المتسولين على قبول المواد الغذائية أو الخضر والفواكه وحتى الملابس محبذين النقود ، فمنهم من يقبل غير النقود على مضض ومنهم من يرفضها بصريح العبارة طالبا النقود معللا رفضه  بحاجته للنقود لشراء الدواء أو الأدوات المدرسية أو غير ذلك ، ففي دردشتنا مع صاحب محل لبيع الدقيق قال :أنه يمنح من يأتيه من المتسولين كيس دقيق أو " فرينة" أو حتى العجائن  غير أن أغلبهم يرفض ذلك مطالبا بالنقود بل وراح محدثنا إلى أبعد من ذلك حيث أقسم أنه رأي بأم أعينه متسولون ينفقون ماتجود به أيدي المحسنين  من مال في أمور لاتسمن ولاتغني من جوع على غرار التبغ وتعبئة رصيد لشريحة هواتف المحمولة وغير ذلك.

 الأفارقة والسوريون  يزاحمون المتسولين الجزائريين

رغم قلتهم  منذ حلول جائحة كورونا إلا  أن نزوح الأفارقة والسوريين إلى ولاية المدية شكل قلقا حقيقيا لمحترفي التسول وهذا ما عبر عنه  احد المتسولين   بوسط مدينة المدية بعد أن زاحمته  إحدى النازحات السوريات في طلب  الصدقة من المصلين عقب نهاية صلاة الظهر حيث عبر  للذين فظل معظمهم منح صدقاتهم للمتسولة السورية عوض محترف التسول بل ونعتهم بأنهم يفضلون الغريب  على ابن المدينة في مشهد اندهش له الكثير من المارين،من جهته عمي إبراهيم شيخ طاعن في السن واعتاد التسول أمام دار المالية سألناه عن المبلغ الذي يجنيه من التسول فصرح بان المبلغ  تناقص بشكل كبير وهذا عقب غزو السوريين والأفارقة لمدينة المدية  خاصة في وقت مضى حيث بات المحسنون يمنحون صدقاتهم لهم ما دفعه إلى تغيير المكان إلى السوق المتواجدة  وسط المدينة .

 تسول الأطفال مشاهد يندى لها الجبين

مما لاشك فيه أن مشهد  طفل في عمر الزهور بملابس رثة وأرجل حافية يفترش الأرض يوجع القلب ، فمن المفروض المكان الطبيعي لهذا الطفل هو المدرسة أو المسجد أو حتى دور الترفيه واللعب في الأوقات العادية وبيت يحتضنه يوفر له  الدف الأسري والحنان ومتطلبات مرحلته  ، حيث نرى الكثير من الأطفال يتسولون إلى المارة أعطوهم أو منعوهم أو حتى زجرهم بالقول من لدن البعض الآخر فتمتزج الدموع مع الكلمات في ترديد عبارات لقنها الكبار لأطفال لاذنب لهم ، والغريب في ذلك تواجد أم أو حتى أب رفقة ابنه يستعطف به المحسنين لينشأ الطفل بنفسية عرجاء وسلوك غير سوي إن لم نقل أنه سيلجأ للسرقة والإجرام ردا على ظروف اضطرته لتحمل ذل التسول وآلامه،فقد يكتسب كل الأخلاق السيئة الموجودة في الشارع كبيئة مفتوحة على كل الاحتمالات البذيئة، كون ظاهرة التسول فتحت له الباب لاحتراف آفات أخرى، كالإدمان على المخدرات والسرقة وحتى القتل لتحصيل الكسب، لأن التسول يقتل بداخل الأطفال بذرة العمل، ومن ثمة تعطينا هذه الظاهرة رجلا عوض أن يكون فاعلا  في مجتمعه يصبح ناقما عليه، يعتبره السبب الأول  الذي أوصله إلى حالة التسول، ليبقى الأمل في سن قوانين تمنع تسول الأطفال ومعاقبة من يضطرهم أو يستغلهم في ذلك.

 حرائر يتسولن ينفقن على أزواج وأولاد

انتشرت ظاهرة غريبة عن مجتمعنا الجزائري المسلم الذي يوجب على الرجل الإنفاق والتكفل بأفراد أسرته من زوجة وأولاد ووالدين وحتى الإخوة والأخوات وهي احتراف زوجات للتسول من أجل الإنفاق على أزواج عاطلين يستحسنون الأمر ،حيث يقضي الزوج يومه بالبيت أو يجوب الشوارع أو جالسا بالمقاهي منتظرا زوجته التي تعود في المساء تحمل مأكولات ومشروبات وماحصلته من تسول يوم غير مبال بما تلاقيه هذه الزوجة من متاعب وإهانات بالشوارع وحتى المساومات الدنيئة من لدن مرضى النفوس بل ويصل الأمر بالبعض إلى إيصال زوجته بسيارته إلى مكان تسولها مثلما تحدث إلينا عمي شعبان صاحب محل للأحذية  بالمدية قائلا : نحن في زمن غريب لم يعشه الآباء والأجداد حيث تنفق الزوجة على زوجها وأبنائها الأصحاء من تسول يومها  والمفروض حسب قول محدثنا أن الزوج هو المكلف بالإنفاق على بيته وأسرته حتى وإن كانت الزوجة عاملة فما بالكم بالمتسولة.

 كثرة محترفي التسول يحرم  المحتاجين حقا

كان التسول في الماضي يقتصر على فئة معروفة بفقرها لدي عامة الناس ولكن في الآونة الأخيرة أصبح الكثير منهم غير معروف ولا تظهر عليه ملامح التسول نظرا لحسن  مظهرهم الشيء الذي أدي بالكثير من المواطنين إلى  الامتناع عن مدهم بالصدقات ،كما تبين لنا من خلال حديثنا مع بعض المواطنين أن الكثير من المتسولين يملك أموالا وممتلكات كثيرة واتخذ  من المهنة حرفة لهم وخير دليل على ذلك شبان يستطيعون مزاولة العمل لكن فضلوا العيش على بنات جيوب المحسنين  عوض العمل و الكد من اجل لقمة العيش ،هي عادة سيئة توضع أمامها علامات استفهام كثيرة ومن يقف وراء هذه الظاهرة التى اختلط فيها الحابل بالنابل والمحتاج بالمتطفل.

هذا وإذا غصنا في المجتمع  نجد حقا الكثير من الفقراء الذين منعتهم عزة النفس والتعفف من أن يمدوا أيديهم حيث أكد لنا الكثير ممن التقيناهم ونحن بصدد إعداد هذا العمل أنهم يخجلون ويقبلون الصدقات بصعوبة لأنهم اختاروا أن تكون  كرامتهم فوق كل اعتبار ونحسبهم أغنياء من التعفف  في حين يوجد الكثير من الانتهازيين الذين رغم أنهم يملكون ما يكفيهم وأكثر إلا أنهم فضلوا احتراف هذه المهنة الدخيلة على المجتمع المدايني والجزائري ضاربين بكرامتهم عرض الحائط في سبيل دنانير معدودات وتبقى اليد العليا خير من اليد السفلى مثلما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.

من نفس القسم محلي