محلي

التبذير عادة محرمة ينتهجها الكثير خلال رمضان في ظل غياب ثقافة الاستهلاك

الشيخ نور الدين عبد الكبير يتحدث عن التبذير خلال رمضان في حوار مع "الرائد"

الشيخ نورالدين عبدالكبير إمام أستاذ بمسجد عثمان بن عفان سابقا عميد الشؤون الدينية والأوقاف لدائرة حمام الضلعة طالب دكتوراه نقد وبلاغة بجامعة الحاج لخضر ولاية باتنة يقطن ببلدية حمام الضلعة شمال ولاية المسيلة.

في البداية هلا حدثتنا عن التبذير والإسراف في رمضان؟

يقول رب العزة جل و علا في محكم التنزيل وهو أصدق القائلين(و لا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)

و الله سبحانه خلق كل شيء وقدره تقديرا و منه دعا الشارع الحكيم إلى التوسط في كل شيء فنجد مثلا الزيادة في العبادة محمود و الزيادة في الخير كذلك معدود، في حين نهينا عن كل شيء تأباه فطرة الله التي فطر الناس عليها كالإسراف والتبذير بما طائل تحته ولا فائدة فيه ، ويقصد بالإسراف الكثرة في المأكل والمشرب و الملبس و حتى الحاجيات ،و الإسراف مصدر أسرف يسرف أي يكثر بلا عد فيحصل له مرادفه وهو التبذير الذي هو نهينا عنه و بشدة كما في الآية السالفة الذكر قال تعالى(و لا تبذر تبذيرا ) و اللام للنهي و النهي يفيد التحريم باتفاق الفقهاء والأصوليون و هذا الدليل الأول اما الدليل الثاني فهو قوله تعالى :(إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) من يرضى أن يكون أخ الشيطان ؟!  و هذا التشبيه بالأخوية إنما هو تغليظ في الزجر لشناعة وقبح الفعل الذي يؤدي إلى النار و التبذير و الإسراف من عمل الشياطين الذين  يأمرون الناس بالكفر و الفساد و يهلكون الحرث و النسل .

و من صور الإسراف والتبذير _ خاصة و نحن في رمضان الكريم _ رمي الخبز في المزابل ووضعه في أكياس عند الأبواب حتى صرنا أكبر بلد مبذر للخبز و حسب الإحصائيات الأخيرة مليون خبزة في اليوم فلو صرفت هذا الخبز على مليون فقير لقضينا على الفقر و لقد حدثني أحد عمال النظافة فقال لي لقد وجدنا في القمامة الخبز واللحم و الفواكه و حتى المشروبات الغازية و الكسرة و غير ذلك

إلى ما يعود هذا الفعل غير الأخلاقي ؟

الجواب معروف وهو قلة ثقافة الاستهلاك ، تعدد القيادات في البيت الواحد ، انخفاض الشعور بالمسؤولية ، قلة الإيمان ، تخلي ربة البيت عن وظيفتها في إدارة شؤون البيت ، وجود المال الكثير مقابل نسيان الفقراء ، قلة الحياء و الأخلاق و أدب المأكل ، كفران النعمة و غيرها.

و أنصح الناس بقوله عليه الصلاة والسلام (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)،و قوله عليه الصلاة والسلام ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت )  و قولهم من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها لم يشعر، و لا تكن يا أخي و يا اختي من إخوان الشياطين.

هناك من الناس من يجعل شهر رمضان شهر أكل وشرب في الليل ، ونوم وكسل في النهار. فما توجيهكم في ذلك؟

أيها المسلمون يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190

نحن نعيش أيام رمضان ولياليه العطرة الزكية و شهر رمضان من الأزمنة التي منى الله بها على عباده و جعلهم يتنعمون بالقربى إليه و جعل الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الله عز وجل : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، إنه شهر الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر العتق من النيران، فاغتنموه قبل فواته، فإن السعيد من أغتنم أوقاته، وتاب من سيئاته، وأكثر من حسناته، والشقي من حُرم الخير، ليس المحروم من فاتته الدنيا، ولكن المحروم في الحقيقة من فاتته الآخرة، فاغتنموا رحمكم الله هذه الشهر، واعرفوا قدره، وقدروا له قيمته، واحترموه واشغلوا أوقاته بالطاعات والقربات فإن الفرص لا تدوم، ولا يبقى إلا الحي القيوم، فأنتم لستم تبقون ولا الشهر والأيام تبقى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)

عباد الله، إن الناس يختلفون في هذا الشهر اختلفا كثيرا فمنهم من لا يعرف هذا الشهر إلا أنه شهر لتنويع المأكل والمشارب والمطاعم فيملئ بطنه من الطعام والشراب ويكسل عن طاعة الله سبحانه وتعالى، وربما ضيع الفرائض فكيف بالنوافل؟! ومن الناس من لا يعرف هذا الشهر إلا أنه شهر السهر بالليل على اللهو والغفلة والإعراض والقيل والقال، وينام في النهار ولا يؤدي الصلوات المفروضة في أوقاتها ومع الجماعة، ومن الناس من لا يعرف لهذا الشهر إلا أنه شهر المسلسلات والتمثيليات والمضحكات والمسابقات، مسابقات القمار التي يعد لها أعداء الله ورسوله وأعداء المسلمين، إن أعداءكم قد تنبهوا للإضرار بكم، يعلمون أن هذا الشهر فرصتكم عند الله ويضيعونه عليكم بمثل هذه الترهات وهذه الغفلات، فاحذروا من ذلك، وجنبوا أولادكم هذه البرامج الساقطة التافهة المغفلة عن ذكر الله عز وجل التي تخسر أوقاتكم، وتضيع صلواتكم، أين قيمة هذا الشهر يا عباد الله؟

هناك من الناس يشغلهم البحث عن الحليب وزيت المائدة ما رأيك في هذه التصرفات وبم تنصحهم؟

 إذا كان فينا من يبيت شبعان وجاره جائع؟ أين قيمة هذا الشهر إذا صمنا عن الحلال طاعة لله ونفطر على الحرام والعياذ بالله فمنا من إذا بل ريقه ببعض الطيبات يخرج سيجارته أو تبغه و يحتسي قهوة ويحسب أنه على شيء و هو يستهلك خبيثة منكرة نتنة

 يا عباد الله والله إن الواحد ليصاب بالخيبة و الضعف لما يرى الناس اليوم تبحث عن الحليب وزيت المائدة كل يوم و يكنزونها وكأنهم في أمن وأمان ، في حين أنهم يضيعون أوقاتهم و يحتكرون هذه السلع التي توجب اللعن لمحتكرها ، ثم تجد صاحبنا في الصف الأول ينتظر الإمام في للصلاة و هو لا علاقة له بأهداف ومقاصد الصلاة والصيام ، لقد دبت الأنانية حتى النخاع ، لولا كثرة الخير في البلاد و الخيرين من العباد الذين نضرب المثل بأفعالهم في المساهمات الربانية و المبادرات الخيرية و منهم على سبيل المثال الأئمة العاملين و القائمين على المساجد من الجمعيات النشطة ، ومنهم أصحاب الجمعيات البارزة و من أحسن ما رأيت في حمام الضلعة على الخصوص جمعية الإحسان لرعاية الأيتام ، و هناك أصحاب المبادرات الطيبة في تعليم القرآن الكريم و بناء المساجد والمدارس القرآنية ، وهناك من أصحاب الأموال الزكية و هم جنود خفاء ممن يجعلون رمضان موسم للتبرع والصدقات و جعل قفف من المواد الغذائية و يا ليت قومي يعلمون قيمة الصدقة في رمضان والتكافل فيه فمن الناس من لا يجد قوت يومه ومنهم من يرجع إلى عياله خالي اليدين فشاهدوا وانظروا وترقبوا وساهموا جانب التكافل علنا نكون مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .

فاتقوا الله، عباد الله، هذا هو شهر رمضان قدم إليكم وهو بين أيديكم وقد مكن الله لكم من استغلاله بالخير فلا تضيعوه كما ضيعتم غيره، لعلى الله أن يختم لكم بصالح الأعمال، لعلى الله أن يجعل هذا الشهر منقذا لكم في بقية العمر، لعل هذا الشهر أن ينالكم من خيراته وبركاته ما لا تحتسبون.

كلمة أخيرة؟

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، اللَّهُمَّ أنصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللَّهُمَّ انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللَّهُمَّ أدفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

من نفس القسم محلي