محلي

مرضى ومسنون "ينتحرون" في رمضان؟!

يصرّون على الصوم رغم "منع" الأطباء ويرفضون استخدام الرخصة الشرعية

تتجدد مع بداية شهر رمضان مشكلة صحة عمومية عويصة تتمثل في إصرار ملايين من كبار السن والعجزة وأصحاب الامراض المزمنة على الصوم دون الأخذ بتعليمات الأطباء والمختصين  وهو ما يهدد حياة هؤلاء  في الكثير من المرات ويتسبب لهم في مضاعفات خطيرة تصل حد الموت كان من الممكن تجنبها لو أخذوا بالرخصة التي شرعها الخالق للمرضي في رمضان.

ويصر المسنون وأصحاب الامراض المزمنة منهم مرضى السرطان والسكري من الدرجة الأولى على صيام الشهر الفضيل رغم أنهم ممنوعون من ذلك بموجب تعليمات صارمة من أطبائهم وهو ما يهدد حياتهم في الكثير من المرات خاصة أولائك الذين تجاوز سنهم الثمانين سنة وهو ما يمثل انتحارا حقيقا خوفا من اثم الإفطار في الشهر الفضيل، ولا توجد اسرة جزائرية خلال رمضان لم تعاني مع احد أفرادها من "الشيوخ" و"العجائز" الذين يتعنتون ويرفضون الإفطار في شهر رمضان معتقدين أنه بذلك سيضيعون ثواب الشهر ويخالفون امر الله رغم أن الحكم واضح ومبين في القرآن الكريم والرخصة بإفطار المريض والمسافر لا تحتاج لجدل ولا تفسير، هذا ولا يقتصر إصرار المرضي والعجزة على الصيام على الجانب النفسي والاجتماعي وانما يتعدى ذلك بكثير حيث يعتبر سلوك ألاف بل ملايين من هذه الفئة مشكل صحة عمومية حقيقي بسبب الضغط الذي قد ينجر من هذا الصوم على الهياكل الصحية الجوارية والمستشفيات والتعقيدات الصحية التي تظهر في رمضان وبعده على هؤلاء المرضى كل هذا تدفع ثمنه المنظومة الصحية التي "تعاني" بعد الشهر الفضيل للتكفل بألاف الحالات التي تسبب الصيام لها في تعقيدات خطيرة.

  • هكذا يتهرب المسنون من "رخصة" الإفطار

وأمام هذه المشكلة الصحية التي تتكرر أطلقت العديد من عيادات الصحة الجوارية عبر المدن الكبرى منها العاصمة حملة تحسسية وتوعوية حول مخاطر الصوم بالنسبة للمرضى والمسنين حيث اكد العديد من الأطباء العامليين في مؤسسات جوارية بالعاصمة  أن المستشفيات العمومية والمراكز الجوارية تستقبل كل سنة في رمضان من 4 إلى 5 حالة  استعجالية يومية لمرضى مسنين خالفوا نصائح الطبيب وصاموا خلال الشهر، حيث يحدث لهؤلاء المرضى عادة تمدد في الشرايين، ويموت بعضهم بسكتة قلبية، وبجفاف الأملاح والسوائل، كما تصل التعقيدات عند البعض للتعرض لعجز كلوي خطير بسبب الصوم لفترات وساعات طويلة  وينصح الأطباء المرضى والمسنين الذين تجاوزوا 80 سنة، بإجراء فحوصات دورية كل 6 أشهر، لمعرفة الحالة الصحية بدقة، حتى يمكن للطبيب الذي يتابعهم وإعطائهم رخصة الإفطار خلال شهر رمضان.  وكشف بعض الأطباء  عن أكبر مشكل صحي يؤدي إلى حالات استعجالية أو الموت، خلال شهر رمضان، ويتعلق بتهرب مرضى وكبار سن، من حقيقة عدم قدرتهم على الصوم، والترخيص لهم بالإفطار، بتغيير الطبيب المتابع لحالتهم الصحية بطبيب جديد مع اقتراب رمضان، وهذا يعكس، حالة نفسية، وعدم ثقة داخلية تدفع هؤلاء لزيارة أطباء جدد هم لا يعرفون في الكثير من الأحيان حالتهم الصحية بدقة.

  • خياطي: هؤلاء الفئات من المرضي ممنوعون من الصوم

وفي هذا الصدد حذر البروفيسور مصطفي خياطي المرضى المصابين بأمراض مزمنة من الإصرار على الصيام لما قد ينجر عنه من تعقيدات ومضاعفات خطيرة قد توصلهم إلى الموت.   وقال خياطي الأمر مرتبط بالقناعة النفسية، لكن رغم هذا نجد الكثير من المرضى يصرون على الصيام رغم الكوارث الصحية التي يخلفها والتي قد تصل إلى الوفاة ويفسر خياطي أكثر بالقول أن هناك أمراض تستلزم أخذ الدواء بصفة مستمرة، غير أن البعض ودون استشارة الطبيب يقدمون على أخذ أدويتهم في الفترة بين الفطور إلى السحور سواء 3 أو 4 مرات، وهذا ما يعرضهم إلى تسمم دوائي  بسبب الجرعات الزائدة التي تكون لها عواقب وخيمة، سيما مرضى السكري والقلب وغيرهما. وقسّم خياطي الحالات المسموح لها بالإفطار إلى قسمين هما الحالات الفيزيولوجية على غرار المسنين والحوامل والمرضعات هؤلاء يسمح لهم شرعا وصحيا بالإفطار، والحالات المرضية والمرضية المزمنة التي تحتاج إلى تقييم من قبل الطبيب المعالج، وهنا يكون التشاور حول كيفية التعايش مع المرض والدواء في الفترة الرمضانية وإذا أمكنه إحداث التوازن فلا بأس من الصيام، غير أن هناك أمراضا تتنافى كلية والصوم على غرار ارتفاع ضغط الدم الحاد وأمراض السكري من نوع 1 وأحيانا نوع 2 إذا تطور وولد مضاعفات، وكذا أمراض القلب والشرايين وتخثر الدم والقرحة المعدية الحادة والصرع والربو وأزمات القصور الكلوي، خاصة إذا كان يقوم المريض بالتصفية وحتى قبلها، بالإضافة إلى بعض الأمراض العقلية والهرمونية.

  • البروفيسور ريان: الصوم دون استشارة الطبيب لمرضي الكلي قد يكون "ميمت"

من جهته حذر رئيس الجمعية الجزائرية لأمراض وزراعة الكلى، الطاهر ريان من الصوم لأصحاب امراض الكلى والقصور الكلوي المزمن والحاد  لما فيه من خطورة على صحة المريض، خاصة الذين يخضعون لحصص ''الدياليز''، وذلك أمام إصرار عدد كبير من المرضى على الصوم دون استشارة الطبيب المعالج لهم، وأشار ريان أن الصوم  قد يتسبب نتيجة لنقص السوائل والأملاح  في تدهور حالة القصور المزمن، خصوصاً في حالات التهابات الكلى المزمنة، والتكيس الكلوي، وهو ما قد يؤدي إلى جفاف واختلال في وظائف الكلى والجسم ولذلك من الضرورة لمريض القصور الكلوي أن يقوم بمراجعة الطبيب المتابع لحالته لأخذ النصيحة الطبية حسب حالته المرضية قبل الشروع في صوم رمضان، مشيرا أن أمراض الكلى تنقسم لحالات وكل حالة يجب أن تستشر الطبيب المعالج وهو وحده الكفيل بتحديد قدرة المريض على الصوم أو لا محذرا المرضى من الصوم دون استشارة الطبيب.

  • أوحدة: صيام الممنوعين من الصيام بات أكبر هاجس للجمعية

من جانبه قال، رئيس جمعية مرضى داء السكري لولاية الجزائر العاصمة فيصل أوحدة، إن صيام الممنوعين من الصيام بات أكبر هاجس للجمعية خلال شهر رمضان  مضيفا أن نقص الوعي والإرشاد والتحسيس جعل غالبية كبار السن يعتبرون أن رخصة الإفطار في رمضان هي مخالفة للشرع والدين، وعلينا حسب فيصل أوحدة التوجه إلى المساجد كأحسن مكان لاسترداد ثقة هؤلاء بالتعاون مع الأئمة حتى نقنعهم بما نصحهم أطبائهم. وأكد رئيس جمعية مرضى داء السكري بالعاصمة أن 99 بالمائة من المرضى الذين يستجيبون لنصائح أطبائهم بعدم الصيام، هم شباب، الأمر الذي اضطر الجمعية للقيام بحملات تحسيسية، حيث يقوم أطباء عامون ومختصون وأئمة ومرشدون بالتقرب من كبار السن المرضى وتوعيتهم بطريقة فيها ترغيب وترهيب، مشيرا أن الجمعية برمجت قوافل  لتوعية المصابين بداء السكري، خاصة الكبار من خطورة التعنت والإصرار على الصيام في حالة مخالفة أطبائهم الذين نصحوهم بعدم الصيام.  وقال ذات المتحدث أنه يسمح بالصوم بالنسبة لمرضى داء السكري، فقط للحالة غير المصحوبة بمضاعفات متوازنة بواسطة القواعد الصحية الغذائية، أو مضادات داء السكري، وهي من النوع الثاني للداء، أما الحالات التي تعالج بالأنسولين والمصحوبة بالمضاعفات فيمنع على المريض صوم رمضان، ونفس الأمر بالنسبة للنساء الحوامل أو الأمهات المرضعات المصابات بالسكري.

  • حجيمي: الأئمة يعملون في الميدان لزرع الثقة في تراخيص الأطباء

ونظرا لتعنت الكثير من المرضى والمسنين، والصوم رغم منع الطبيب المختص ذلك عنهم، لجأت الجهات الصحية إلى أئمة المساجد، قصد زرع الثقة في التراخيص الطبية التي تجيز عدم صوم رمضان لهؤلاء، حيث أكد رئيس نقابة الأئمة الشيخ جلول حجيمي، في تصريح لـ"الرائد" أن خطب الجمعة ستتخللها نصائح، وتحذيرات للمرضى المزمنين ولعائلات المسنين حول مخاطر الصوم لهذه الحالات. وقال إن الكثير من المصلين يقصدون الإمام للحصول على تفسيرات وفتاوى حول رخص أطبائهم التي تجيز لهم عدم الصوم خلال رمضان، ولكن الأئمة حسب الشيخ حجيمي، يوضحون في المساجد أن الطبيب أدرى بالحالة الصحية لمريضه، وعليه فهو الذي يتحمل مسؤولية ذلك، ولا يحق لأي إمام أن يشكك في رخص الأطباء المختصين المتعلقة بعدم الصوم.

  • سعدي: "فوبيا روحية" تدفع كبار السن للصيام تحت أي ظرف

من جهته أعتبر المختص في علم الاجتماع الهادي سعدي في إتصال هاتفي مع "الرائد" أن عدم التزام المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة، بنصائح أطبائهم وبعدم الصوم خلال رمضان، يدخل في اطار ما يعرف بـ"الفوبيا الروحية"  وهي حالة خوف وقلق تنتاب هؤلاء في شهر يعتبر شيئا مقدسا، وقال إن كبار السن الذين يمنعون من الصوم يعيشون خوفا بسبب اعتقادهم أن موتهم قريب وأن الله سيعاقبهم على ذلك، موضحا أن أفراد عائلة هؤلاء تنتظرهم مهمة كبيرة لكي يخرجوهم من حالة الوسواس وعدم الثقة في تراخيص الأطباء الخاصة بعدم صيام الشهر لظروف صحية. داعيا عائلات الأشخاص الممنوعين من صوم رمضان، أن يشركوهم مائدة الإفطار، حتى لا يحسوا أنهم خارج المجموعة.

من نفس القسم محلي