محلي

الجنوب .. قلب السّياحة النابض

كورونا يغيّر اتجاه البوصلة وجزائريون يختارون الوجهة الصحراوية

 قلّل فيروس كورونا من حركة تنقل الأشخاص بين الدول، ما جعل الراغبين في السفر والتجوال يلجؤون للسّياحة الداخلية بحثا عن أماكن توفر لهم كل سبل الراحة، وتخفف من وطأة التداعيات النفسية التي خلفتها هذه الجائحة، وفي هذا الصدد أضحت السياحة الصحراوية ببلادنا وجهة مفضلة لكثير من الجزائريين. 

غيرت كورونا بوصلة السياح وأجبرتهم على قضاء عطلهم ببلدانهم، وهو الوضع الذي أفرز انتعاشا في السياحة الداخلية لكونها باتت البديل الوحيد المتوفر بعد غلق الحدود وفرض قيود على تنقل الأشخاص، وهو الأمر ذاته الذي شهدته بلادنا في السنتين الاخيرتين.

 الوجهة.. جنوبنا الكبير

 عجت صفحات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بالعديد من المناشير، التي تروج لعروض لقضاء العطل بمختلف المناطق الصحراوية، على غرار الساورة، الطاسيلي، غرداية وبسكرة، تزامنا مع عطلة الشتاء واقتراب نهاية العام الجاري، والتي تشهد عادة حركية كبيرة في المجال السياحي.

وفي هذا الصدد، أشارت جميلة العاملة في مؤسسة خاصة في حديثها لجريدة الرائد، بأنها أجبرت على اختيار الوجهة الصحراوية، بعدما أغلقت جل الأبواب في وجهها خارج الحدود، مضيفة بأنها كانت ترغب في قضاء عطلة نهاية السنة في إحدى الدول الأوروبية، إلا أن القيود المفروضة على السواح، جعلها تغير وجهتها.

وأضافت، بأنها قد باشرت إجراءات سفرها للاستمتاع بعطلتها بصحرائنا الكبرى، بعدما اصطدمت بالعديد من الصعاب، التي أفرزها تفشي فيروس كورونا وظهور متحورات جديدة، دفعت العديد من الدول لتشديد إجراءات الدخول لها، وباتت حجرة عثرة أمام الراغبين في زيارتها.

ومن جانبها، سامية التي كانت برفقة جميلة أكدت بأنها كانت قد سافرت شهر نوفمبر الماضي لإحدى الدول الأوروبية، وترغب اليوم في زيارة الصحراء رفقة زوجها، مضيفة بأنها لم تزر الصحراء لتخوفها الشديد من مستوى الخدمات المقدمة وكذا عدم وجود عروض تناسبها، بالمقارنة مع العروض الكبيرة خارج البلاد.

برزت السياحة الداخلية عموما والصحراوية على وجه الخصوص كبديل عن السياحة الخارجية منذ تفشي فيروس كورونا، وباتت تستقطب العديد من السواح، رغم أنها تعرف ضعفا في العديد من الجوانب، والتي لا يمكنها أن تغطي على المقومات الكبيرة التي تملكها بلادنا على مدار السنة.

جدير بالذكر فقد انطلق موسم السياحة الصحراوية نهاية أكتوبر الماضي ويدوم لغاية شهر أفريل من السنة القادمة، وسط تفاؤل كبير من قبل الوكالات السياحية، في التقليل من الخسائر التي تكبدوها في السنتين الأخيرتين، بالموازاة مع التراجع الكبير في أعداد الإصابات بفيروس كورونا وشروع السلطات في تطبيق إجراءات للتخفيف من القيود المفروضة على العديد من النشاطات، فضلا عن الترخيص لعودة نشاط النقل الجوي والبري.

 انتعاش في السياحة الصحراوية ولكن..

 وفي المقابل، أوضح شقوري علي المدير العام لوكالة أكاديس ترافل بولاية الوادي في حديثه لجريدة الرائد، بأن انطلاق الموسم السياحي الصحراوي كان  ضعيفا جدا، وقال بأن الوضع راجع للوضع الاقتصادي الصعب، الذي سببه فيروس كورونا، والذي ألقى بظلاله على القطاع، إذ أن انهيار القدرة الشرائية وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات، باتت بوادره جلية ولا تخفى على أحد، ما انجر عنه ركود كبير.

وأضاف المدير العام للوكالة السياحية الناشطة بالصحراء، بأن السياحة الصحراوية انتعشت في الآونة الأخيرة مع خروج تلاميذ الأطوار الثلاث في عطلة بداية شهر ديسمبر الجاري واقتراب نهاية العام، إلا أنها تبقى دون المتوسط، ولا يمكن مقارنتها بما تم تحقيقه العام الماضي، الذي شهد انتعاشا وحركية كبيرة.

ولم يخف نحدثنا، تأسفه للوضع الصعب الذي تعيشه الوكالات السياحية، إلا أنه أكد بأن الوضع تغيير في الأيام الأخيرة للعطلة الشتوية، متفائلا بتحسنها مع مرور الوقت، بالموازاة مع اقتراب عطل نهاية السنة.

ومن جانبها مسؤول المبيعات بوكالة روتانا للسياحة والأسفار مريم بن سليمان، في اتصال بجريدة الرائد، كشفت بأن العديد من الوكالات السياحية تعاني صعوبات مالية كبيرة، والبعض منها أجبرت على تسريح عمالها ووقف نشاطها، قائلة " لا يخفى على أحد أن الوكالات السياحية في الجزائر تنشط أساسا مع زبائن يفضلون الوجهة الخارجية، لكن ومع تفشي الفيروس وغلق الحدود لفترة من الزمن، فقد باتت السياحة الداخلية وخاصة السياحة الصحراوية البديل الوحيد للكثير من السواح والوكالات السياحية".

وأضافت بأن انتعاش السياحة الصحراوية، كان ظرفيا، فقد أدى غلاء الأسعار التي تتمثل في النقل سواء كان برا أو جوا، والإطعام وكذا الفنادق أو ما يسمى بدار الضيافة للعودة بها للخلف، وأشارت إلى أنها أضحت عوامل غير مساعدة على ترقية السياحة الصحراوية، وعبرت عن أسفها لولوج الدخلاء عن السياحة للمجال من جمعيات وصفحات لمواقع التواصل الاجتماعي وقيامهم بحملات ترويج للسياحة الداخلية والصحرواية بأسعار أقل بكثير من الوكالات وبخدمات أقل وفي إطار غير قانوني، ما أفرز معاملات بعيدة كل البعد عن ما يجب أن يلتزم به الناشطون في القطاع، ما تسبب في فقدان الثقة بين الزبائن ومنظمي الرحلات وضربت معها مصداقية الوكالات.

 جهود للنهوض بالقطاع..

 كثفت السلطات العليا للبلاد ممثلة في وزارة السياحة والصناعة التقليدية من جهودها للنهوض بالقطاع وتسطير برامج لوضع السياحة الداخلية على سكتها الصحيحة، حسب ما كشف عنه مؤخرا المسؤول الأول على رأس القطاع.

ويجري العمل على انجاز 54 مشروعا سياحيا بكل من ولايات أدرار وتمنراست وجانيت وكذا بشار، وتحصي وزارة السياحة 225 منطقة للتوسع السياحي، كما تتوفر منطقة الجنوب على 23 موقعا يمكن استغلالها لإنجاز مشاريع سياحية متنوعة، والتي من شأنها المساهمة في النهوض بالقطاع وخلق حركية جديدة مع توفير خدمات في المستوى.

وطالب مؤخرا وزير السياحة ياسين حمادي، بالعمل على النهوض بالقطاع، من خلال إشراك كافة المتداخلين للمساهمة في مساعي السلطات الرامية لتطويره، مشيرا إلى حرصه على وضع آليات جديدة لترقية قطاعه، مشددا على ضرورة مراجعة الأسعار الحالية لخلق التنافسية بين المستثمرين، والتي تبقى من أبرز النقاط السوداء، التي تستدعي معالجتها في أقرب الآجال.

كما تعمل السلطات على تشجيع الوجهة الصحراوية، التي تحظى باهتمام كبير من قبل السياح الجزائريين والأجانب على حد سواء، خاصة وأنها كانت صنفت منذ فترة كوجهة متميزة لسياحة المغامرات، في ظل ما توفرها من تنوع على مختلف الأصعدة وثراء سياحي كبير.

ومن جانبها شركة الخطوط الجوية الجزائرية أكدت عزمها على تقديم عروض تنافسية بتخفيض أسعار التذاكر بنسبة تصل لحدود  50 بالمئة بالنسبة للسياح المتوجهين نحو الجنوب الكبير، وهي العملية التي تدخل في إطار المساعي الكبيرة لفتح آفاق جديدة على السياحة الصحراوية وتشجيع السياح على اختيارها كوجهة لقضاء عطلهم.

وفي سياق متصل، سطرت العديد من الوكالات  برنامج ثرية لإنجاح الموسم الصحراوي، تماشيا والانتعاش الطفيف المسجل مؤخرا، والذي يمكن أن يساهم في اعطاء انطلاقة جديدة للوكالات السياحية عبر عروض تستقطب السواح، وتمكن ملاكها من تدارك الخسائر الكبيرة، التي عصفت بهم في السنتين الأخيرتين، على خلفية تفشي وباء كورونا.

 دعوات لتطهير وتأطير القطاع..

 وأجمع مهنيي القطاع على ضرورة تأطير وتنظيم القطاع، الذي يتخبط في مشاكل جمة، تضاف لها القيود المفروضة على حركة نقل وتنقل الأشخاص، ما تسبب في افلاس العديد من الوكالات.

وأشار كل من تحدثت جريدة الرائد إليهم، بأن السلطات مطالبة بالتدخل وفرض منطقها على الدخلاء لتطهير القطاع وتمكين المعنيين بالعمل وفق الشروط اللازمة لانجاح السياحة الداخلية، داعين للحرص على مراجعة الأسعار والجودة في الخدمات المقدمة لاستقطاب السواح، الذين يشتكون من غلاء الأسعار بالمقارنة مع الخدمات المقدمة.

كما أكدوا على ضرورة محاربة المتطفلين على مجال السياحة، وتفعيل المتابعات القضائية لكل من ينظم رحلات خارج إطار الوكالة السياحية، من جمعيات، صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وكذا مكاتب أعمال، فلا يمكن السماح تنظيم الرحلات خارج إطارها القانوني، مضيفين، بأن العملية من شأنها تنظيم وتأطير المجال السياحي، ما سيمكن من وضع حد لكافة أشكال التحايل التي يقع ضحية لها الزبائن.

ويرى ذات المتحدثين، بأن تحفيز ودعم الوكالات السياحية، من شأنه أن يمهد لترقية القطاع والنهوص به من سباته الكبير، معبرين عن استغرابهم من منح الإستثمار السياحي لأشخاص غير ملمين بالمجال، في الوقت الذي يجد ملاك الوكالات أنفسهم على الهامش ولا تتم استشارتهم، على الرغم من امتلاكهم الخبرة اللازمة، والتي من شأنها أن تقدم الإضافة للقطاع.

وشددوا على ضرورة حرص السلطات على تطبيق إجراءات وتدابير حقيقية، من شأنها إعادة تنظيم وتأطير القطاع، معتبرين إياها بمثابة حملات تنظيف للقطاع من أشباه ممارسي السياحة، والذي سيعود بالنفع على القطاع ككل ويمكن من خلق منافسة تضفي خدمات ذات جودة وبأسعار تنافسية.

 مقومات كبيرة غير مستغلة ..

 لا يختلف إثنان على أن السياحة الداخلية ببلادنا على وجه العموم والصحراوية خصوصا تمتلك مقومات كبيرة لاستقطاب السياح من كل أنحاء العالم، غير أنها ما تزال تغط في نوم عميق.

 ويرى المدير العام لوكالة أكاديس ترافل، بأن العديد من الوكالات التي تنشط بالجنوب بامكانها المساهمة في تطوير السياحة الصحراوية، خاصة في ظل الخبرة التي يمتلكونها وما تزخر به صحرائنا من إمكانيات سياحية فريدة من نوعها، لكنها تبقى لحد الان غير مستغلة وتنتظر أن يماط اللثام عنها وتسويقها داخليا وخارجيا.

 وينتظر أن يسمح المسعى الجديد للسلطات في قطاع السياحة لتجسيد مشاريع استثمارية وفتح مسالك  صحراوية جديدة، مع العمل على الاستغلال الأمثل العنصر البشري لإعطاء صورة جديدة عن القطاع وتقديم عروض تنافس العروض الخارجية.

 وبامكان السياحة الصحراوية، والتي تمثل بارقة أمل للعديد من الوكالات، من انتشال مؤسساتهم من الافلاس والمساهمة في خلق آلاف مناصب شغل على إختلاف مستوياتهم، لكونها تجمع كل أطياف المجتمع، كما ستدر على الخزينة العمومية الملايير.

من نفس القسم محلي