دولي
إسرائيل تستعين بحلفائها لإحباط التحقيق في جرائمها ضد الإنسانية
لتجنب تطبيق أحكام القانون الدولي على نشاطها الاستيطاني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 فيفري 2020
منذ إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجود أساسٍ متين للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أظهرت إسرائيل بدايةً رفضاً للإقرار بالولاية القانونية لـ"الجنائية الدولية" للنظر في ممارساتها وجرائمها، فيما أُطلقت مساعٍ دبلوماسية سرّية لتجنيد دعم لها داخل هذه المحكمة، خصوصاً من الدول الأعضاء فيها.
يأتي ذلك في ظلّ حقيقة أن دولة الاحتلال ترفض إلى اليوم الانضمام إلى المحكمة، والاعتراف بأي شرعية دولية لها، لتجنب الوضع الحالي الذي تطالب فيه بنسودا، بتطبيق أحكام القانون الدولي على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبار ذلك نشاطاً غير قانوني وانتهاكاً للقانون الدولي. ويتعلق هذا الانتهاك بشكل خاص بالمواثيق التي تحظر نقل سكان من الدولة المحتلة للسكن في المناطق التي احتلتها، أو مصادرة أراضٍ احتُلَّت لأغراض الاستيطان، وأيضاً الشكاوى الفلسطينية بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قوات الاحتلال، ولا سيما في العدوان على غزة عام 2014، الذي أطلق عليه الاحتلال اسم "عملية الجرف الصامد".
وكان نتنياهو قد فرض تعتيماً سرّياً على النشاط الإسرائيلي وسبل مواجهة قرار بنسودا، الصادر في 23 ديسمبر، ليتضح يومي الخميس والجمعة الماضيين أن الاحتلال لجأ إلى طلب مساعدة الدول الحليفة له في أوروبا وأفريقيا، خصوصاً تلك الموقعة على بروتوكول روما للمحكمة الجنائية الدولية. ويسعى نتنياهو إلى دعم هذه الدول لتقديم طلب الحصول على "مكانة صديق للمحكمة"، وهي مكانة تمكن صاحبها من المثول أمام المحكمة والمشاركة في المداولات التي تسبق قرار رئاسة المحكمة بشأن قبول وتبني قرار بنسودا بشأن التحقيق في الجرائم الإسرائيلية.
واتضح أن قرار ألمانيا، يوم الجمعة الماضي، بتقديم طلب انضمام كصديق للمحكمة الجنائية، بعد طلب مماثل قدمته التشيك، وآخر أُعلن أن النمسا ستقدمه، جاء تتويجاً لمحادثات بين تل أبيب وبرلين، بلغت ذروتها الأسبوع الماضي خلال اللقاء الذي جمع في برلين الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ورئيس الكنيست الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، الذي طلب رسمياً من مضيفه أن تتدخل بلاده فعلياً لمعارضة أي قرار بفتح تحقيق ضد دولة الاحتلال.
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن دولة الاحتلال تعتزم عدم تقديم أيّ ردٍّ مباشر ورسمي للمحكمة الجنائية، حتى لا يُعتبر ذلك اعترافاً رسمياً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بالولاية القانونية لـ"الجنائية الدولية" على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وشكّل تقديم طلب من نقابة المحامين الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي، للحصول على مكانة "صديق للمحكمة" الحجر الأول في هذا المضمار، إذ سرعان ما اتضح أن جمعيات يمينية إسرائيلية استيطانية، مثل جمعية "شورات هدين"، تعتزم تقديم طلب مشابه لتقديم شكاوى ضد السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" وباقي فصائل المقاومة واتهامها بارتكاب جرائم حرب.
ويبدو أن دولة الاحتلال تعتزم اللجوء إلى تقارير وآراء الخبراء الذين جندتهم بصفتهم "غير الرسمية"، للتأثير بقرار المحكمة الجنائية الدولية لجهة نقض قرار فاتو بنسودا بشأن وجود أساس للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية، عبر الاستعانة بشكل خاص بحقيقة كون ألمانيا عضواً في المحكمة، ما يمنح "موقفها" مصداقية أكبر، ودولة الاحتلال دفاعاً كاملاً دون أن تضطر إلى الاعتراف بشرعية المحاكمة وولايتها القانونية. وتسعى إسرائيل من وراء ذلك إلى إبقاء الباب مفتوحاً أمامها، إذا قبلت المحكمة قرار بنسودا وأقرت بدء تحقيقات ضد إسرائيل، للطعن في إجراءات المحاكمة وشرعية المحكمة برمتها.
ويشي التحرك الإسرائيلي في هذا السياق، وتجنيد ألمانيا بالذات، على تاريخها النازي والدموي، بأن الاحتلال لن يتردد مستقبلاً، مستفيداً من هذا الدعم، في الادعاء أنه يجري تسييس المحكمة الجنائية، وأنها تتخذ مواقف منحازة ضد إسرائيل، تنبع أيضاً من توجهات "معادية لليهود والسامية".