دولي
الأسرى في المدارس... ثقافة الحرية في مواجهة ثقافة القوة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 فيفري 2020
هي اجيال ولدت بعد اتفاقيات اوسلو، طلبة المدارس الذين استيقظوا على الحياه ليجدوا أبائهم وأمهاتهم وأصدقائهم وأبناء جيرانهم وأقاربهم وانفسهم يقبعون في سجون الاحتلال، اللغه من حولهم هي لغة سجون، الكلمات ،اللفتات، النبرات، الصورعلى الحيطان والجدران هي صور اسرى، الحياة من حولهم سجن، تداهم عقولهم البريئة، أحداث صادمه ومثيرة، في عيونهم حيرة ودهشة، في صوتهم انكسارات بعيدة، يتواصلون مع الدنيا بطائرات الورق ، يبتسمون لأطفال العالم ابتسامات عابرة للجدار. الطلبة يسألون عن معنى حكم عن المؤبد، عن شكل السجان والزنزانة ، يسألون عن الاضراب عن الطعام وعن سر الملح والماء في الاجساد الذابلة، يسألون عن المداهمات والاقتحامات الليلية لجنود الاحتلال، الاعتقالات اليومية، صراخ الاطفال والنساء في منتصف الليل، صوت الرصاص والكلاب البوليسية، تفجير الأبواب واطلاق القنابل، قنص الأولاد والأحلام على الجدار الفاصل في غزة، الطلبة ينتظرون الاجابات الكاملة حتى لا يفقدوا أعمارهم القادمة، ما هذه الحرب ؟ لقد ولدنا في عهد السلام، تسألني طالبة في عصبية بالغة . تحت اشراف الشبيبة الطلابية في اقليم حركة فتح في بيت لحم وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم ومدراء المدارس ، خضت تجربة تقديم دروس عن قضية الاسرى للطلبة في 42 مدرسة في المحافظة من الصف العاشر الى الصف الثاني عشر، وكانت تجربة هامة ، اثمن وأقدر لجنة الشبية على هذه ألانشطة التي أعتبرها ضرورية وخطوة استراتيجية نحو ترسيخ الوعي بمعاني التضحية والكرامة الانسانية لدى أبنائنا الطلبة. قضية الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون دخلت المناهج التعليمية ، وهنا يجب ان نشكر وزارة التربيه والتعليم ولجنة المناهج على أعطاء مساحة تربوية وتعليمية لتجربة الاسرى في المنهاج التعليمي ، انها خطوة نحو تحرير طلبتنا من التعليم النمطي والمؤدلج ، وخطوة اكثر أهمية في تسليط الضوء على ضحايا الأحتلال ، رموز الحرية، الآسرى الذين ضحوا من أجل حرية الانسان الفلسيطيني وكرامته وعدالة قضيته ، فالتعليم يصنع وطنا ، وثقافة الحرية دائما تنتصر على ثقافة القوة . كل حصة هي نشاط تضامني ، هي وفاء ومحبة وعهد من طلبة فلسطين الى الاسرى والأسيرات خلف قضبان سجون الاحتلال ، في غرف الدرس صدحت الاناشيد والقصائد والاغاني المعبرة عن التضامن مع الأسرى ومع حريتهم، في غرف الدرس علقت صور الأسرى الى جانب صور أشجار الزيتون والطيور المحلقة في السماء الزرقاء، لقد تحرر الطلبة من القيود وصاروا قادرين على تحرير الواقع من أغلاله ، تحرير العقول من الاطواق التي صنعها المحتل الصهيوني ، الطلبة كانوا ينظرون الى بقية العالم بحيوية ونشاط ، كأنداد رؤوسهم مرفوعة في السماء. هذا اليوم المعلم لم يأت، المعلم في السجن، وهذا اليوم هناك مقعد فارغ، الطالب في السجن، المعلمة غائبة، لقد ذهبت لزيارة زوجها في سجن نفحة، هذا اليوم لا يوجد درس، المدرسة مغلقة ، لقد استشهد طالب برصاص جنود الاحتلال ، أعدموه من مسافة قريبة دون أي مبرر ، المدرسة أعلنت الحداد ، الموت والسجن يلاحقان طلبة فلسطين ، متى تكتمل الاغنية حتى يهدأ البحر؟، كتب مدير المدرسة هذه الاسئلة على اللوح الاسود بطبشورة بيضاء . في المدارس حضر أكثر من خمسة الآف أسير وأسيرة، حضر المرضى والنساء والاطفال والاسرى القدامى ، جاءوا من كل المدن والقرى والمخيمات، من كل فئات الشعب الفلسطيني، فاذا كان الجلادون الصهاينه يحشرون الاسرى في السجون البغيضة وتخفي وزارة التربية الاسرائيلية وجوه الأسرى وانسانيتهم في مناهجها التعليمية ، وتجردهم من آدميتهم وكأنهم ليسوا بشرا أسوياء، فأن المدارس ومناهج التعليم الفلسطينية فتحت الأبواب واسعة على القيم الانسانية والحضارية وتجاوزت الاسلاك الشائكة وسياسة التشويه والطمس بحق الاسرى ، كشفت جرائم المحتلين بحق الاسرى ،فتحول الطلبة خلال الدروس الى محكمة ضمير انسانية،تحدوا الايديولوجية القمعية الاستيطانية، تحدوا الاساطير والخرافات الصهيونية وسياسة اقصاء الاسرى من الشرائع والاتفاقيات الدولية، قد تفوق الطلبة على قانون القومية العنصري، على حقول الكراهية والتعصب والفاشية، صار التعليم في مدارسنا فعل حرية . في المدارس حضر الأسير الاول محمود بكر حجازي ، وحضرت الاسيرة الأولى فاطمه برناوي، جاءوا من القدس، من المسجد والكنيسة والبلدة القديمة، قرعوا أجراس المدارس، انطلقت صيحات وانتفاضات في الدفاع عن القدس عاصمتنا الروحية والسياسية، الاولاد والبنات يواجهون قطعان المستوطنين والجنود بصدورهم العارية، ما هذا الجيل المختلف المتمرد الذي لا يخاف؟ يتسائل قادة الاحتلال الذين اعتقدوا أنهم انتصروا على التاريخ والذاكرة .