دولي

دور فلسطينيي الخارج بعد مؤامرة ترمب

 

على الرغم من خطورة "صفقة ترمب - نتنياهو" على القضية الفلسطينية في مختلف أبعادها، وعلى الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، إلا أنها أزمة كبرى يمكن تحويلها إلى فرصة كبرى.

ومع أنها مؤامرة تستهدف القضية والشعب والأرض، يمكن أن تستخدم، فلسطينيًّا، لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، والإطار الجامع الذي يجسّد وحدة القضية والشعب والأرض، والقيادة الموحدة.

تستهدف الصفقة/ المؤامرة مصادرة وضم الأغوار وشمال البحر الميت والأراضي المقامة عليها المستعمرات الاستيطانية وطرد سكانها (أصحابها الأصليين)، ومن تبقى منهم سيعيشون في معازل آهلة بالسكان ومقطعة الأوصال، تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، إلى أن تحين فرصة لتهجير المزيد منهم. فالمشروع الصهيوني لا يزال مفتوحًا على إقامة "إسرائيل الكبرى" باعتبارها دولة يهودية، ما يوجب أن تكون فيها أغلبية كبيرة من اليهود، من الآن وحتى إشعار آخر.

كما تستهدف المؤامرة شعبنا في الداخل، من خلال جعل العنصرية دستورًا، كما يظهر في إقرار قانون "القومية" العنصري، وفي تضمينها تبادلًا للأراضي والسكان، يشمل حاليًا المثلث الذي يضم 400 ألف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويمكن أن يشمل تجمعات سكانية أخرى.

وتستهدف كذلك اللاجئين، من خلال رفض حق العودة سوى لعدد رمزي ضمن سياسة لم الشمل، والسعي لتوطينهم حيث هم، أو تهجيرهم إلى بلاد جديدة، فضلًا عن تغيير تعريف اللاجئ بحيث يحصر بالذين ولدوا في فلسطين قبل العام 1948، وتقزيم التعويض بشكل كبير للغاية إلى حد الفتات، والمطالبة بتعويض لليهود الذين هاجروا من البلدان العربية.

ما سبق يوفر أساسًا قويًا لتوحيد القضية والأرض والشعب، وسقوط أوهام إمكانية إقامة دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات، ولو على أساس المقايضة بينها وبين حق العودة وحق شعبنا في أراضي 48، وسقوط الوهم بإمكانية إدماج الفلسطينيين في إسرائيل، وكذلك سقوط أوهام استبدال ما يسمى "حل الدولتين" بحل الدولة الواحدة، فـ"إسرائيل" كما رفضت الدولة الفلسطينية، لا تريد بصورة أكبر إقامة دولة واحدة، وإنما استمرار الفصل مع الفلسطينيين مع استمرار السيطرة عليهم.

يمكن تعريف المشروع الوطني بأنه الكفاح بكل أشكال العمل والنضال لإنجاز الحقوق الطبيعية والتاريخية والقانونية والسياسية الفلسطينية، التي يجب أن تتجسد في إعادة كتابة الميثاق الوطني بحيث يحفظ الحقوق، ويلبي الحاجة إلى صيغ جديدة تستفيد من الخبرات والتطورات المستجدة، وتتحقق بشكل جوهري عبر هزيمة المشروع الصهيوني، وتفكيك نظام التمييز والفصل والامتيازات العنصرية، وإقامة دولة ديمقراطية يعيش فيها جميع المواطنين المسلمين والمسيحيين واليهود وغير المتدينين أو من ديانات وعقائد أخرى على قدم المساواة، مع حقوق وواجبات متساوية.

ما سبق هو الهدف النهائي المشترك والحل التاريخي الجذري، الذي لا يستبعد، بل يتطلب، وضع أهداف مرحلية وأولويات لكل تجمع للنضال من أجلها، باعتبار السياسة فن تحقيق أفضل الممكنات (ففلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة أولويتهم إنهاء الاحتلال وإنجاز الاستقلال، وفلسطينيو 48 أولويتهم المساواة الفردية والقومية، وفلسطينيو الخارج أولويتهم حق العودة والدفاع عن حقوقهم المدنية والوطنية)، وهذا لا يتناقض بل يساعد ويتكامل مع النضال لإنجاز الأهداف المشتركة.

لم يكن جذر الخلل والخطيئة الأصلية وضع برنامج مرحلي، بل تصور إمكانية تحقيقه عبر التسوية والمفاوضات والتنازلات من دون تغيير حاسم في ميزان القوى، ما أدى إلى عدم تحقيقه، وإيصالنا إلى وضع أسوأ بكثير مما كنا فيه، حيث قدمنا التنازلات الجسيمة ولم نحصل على الدولة الموعودة.

يمكن أن يلعب فلسطينيو الخارج دورًا في منتهى الأهمية، لأنهم يشكّلون أكثر من نصف عدد الشعب الفلسطيني، ويعيشون بعيدًا عن حراب الاحتلال، ويقيم معظمهم في بلدان محيطة بفلسطين، والباقي منتشر في مختلف أركان المعمورة، شبيهًا بالدور الذي لعبوه عند انطلاقة الثورة المعاصرة، حين كان مركز قيادة الحركة الوطنية في الخارج.

ولكن لا بد من الأخذ بالحسبان أن الأوضاع العربية والإقليمية والدولية مختلفة عما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، الذي كان يشهد صعود الوطنية والقومية واليسارية، الذي انعكس - بدوره - بنهوض فلسطيني ظهر من خلال بلورة كيان وطني واحد (م. ت. ف) وبرنامج واحد وقيادة واحدة للفلسطينيين اعترف بها معظم دول العالم كممثل شرعي وحيد، وتسلمت الثورة الفلسطينية راية حركة التحرر العالمي من فيتنام، وكان هناك تضامن عربي، وكانت القضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب جميعًا، وكان العالم ثنائي القطبية، حيث كان الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية والصين وحركة عدم الانحياز، بزعامة مصر والهند ويوغسلافيا، تؤيد الحقوق الفلسطينية.

أما الآن، فيعاني الفلسطينيون من الانقسام والتنافس الحاد بين الحركتين ذات البعد الوطني والبعد الديني، وعدم بلورة رؤية وإستراتيجية مشتركة لمواجهة تحديات المرحلة، بينما العرب في أسوأ أحوالهم، وفيهم محور مستعد لقبول أو التغاضي عن صفقة ترمب، بحجة ضرورة التحالف مع "إسرائيل" ضد ما يسمى الخطر الإيراني، في حين تنتشر في العالم التيارات اليمينية والشعبوية، وسيطرة المصالح على المبادئ والقيم، إذ لا قانون دوليًا ولا شرعية دولية يحتكم إليهما، بل إلى شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف.

ما يمكن أن يبعث الطمأنينة والثقة بالمستقبل، بداية إرهاصات لقيام نظام عالمي جديد بدأ يطل برأسه، وتتحكم به تعددية قطبية، ومتوقع أن يتحكم به قطبان (الصين والولايات المتحدة)، إضافة إلى تراجع الدور الأميركي في المنطقة والعالم كله، ليس بسبب الهزيمة فقط، بل أساسًا لتراجع أهمية المنطقة لها بعد الاكتشافات النفطية الأميركية، وضرورة التفرغ والاهتمام بمناطق أخرى لمنع تقدم الصين والحلول محلها في قيادة العالم، فضلًا عن الدورَيْن الإيراني والتركي القويين، ما يجعل "إسرائيل" ليست الدولة المركزية المهيمنة على المنطقة.

ومن الأسباب التي دفعت أميركا لإقرار صفقة ترمب محاولة تأمين وتطمين "إسرائيل" جراء التراجع الأميركي، ولا يجب استبعاد إجراءات وسياسات أميركية، وربما ضربات عسكرية لإضعاف إيران وغيرها قبل استكمال الانسحاب الأميركي.

يتضح مما سبق أن الإقليم والعالم يتحركان، وهذا سيترك تأثيره على البلدان العربية، ما يعطي هوامش أوسع لحركة الفلسطينيين، خصوصًا أن الأردن يشعر أنه مستهدف من الخطة الأميركية الإسرائيلية بعد الفلسطينيين، كونه سيتحمل تداعيات الضم والتهجير ومنع قيام دولة فلسطينية.

في كل الأحوال، هناك ضوابط لا بد أن تحكم حركة الفلسطينيين في الخارج، ومنها أنها جزء من حركة الشعب الفلسطيني وليست منفصلة عنه، وعليها أن تلعب دورًا في إعادة تعريف وبلورة المشروع الوطني، والمساهمة في إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، وليس تشكيل منظمة تحرير جديدة أو موازية، والتواضع في الادعاءات حول أن كل تجمع يمثل كل فلسطينيي الخارج، بل يمثل المشاركين فيه، على طريق وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في إطار منظمة تحرير جديدة.

من نفس القسم دولي