دولي

ما يجمع بين حماس وإيران

تسعى الأصوات المناوئة للعلاقة بين حماس وإيران إلى تصوير نفسها بأنها تمثّل نبض الأمّة الإسلامية في وقتٍ تتجاهل فيه المفهوم الحقيقي للأمّة من جاكرتا حتى طنجا.

 

مثلت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية إلى طهران والمشاركة في تشييع الفريق قاسم سليماني، تتويجاً لمرحلة من العلاقات المتطوّرة بين الجهورية الإسلامية الإيرانية وحماس في الأعوام الأخيرة، وهي الأولى من نوعها لرجل حماس الأول منذ ما يقارب العقد من الزمان.

 

نجحت حماس وإيران في تجاوز مرحلة الفتور بينهما على الصعيد السياسي، وقد ساهمت القيادة المنتخَبة في النصف الأول من العام 2017 بصورة فاعِلة في طيّ صفحة البرود، كما أن قيادة كتائب القسَّام لعبت الدور الأبرز في تطوير العلاقة بصورة لافتة، فالتواصل بينها وبين قيادة الحرس الثورة في إيران لم يتوقّف، وبقيت قنوات الاتصال فاعِلة مع مواصلة الدعم العسكري بصوَرٍ متفاوتة.

 

العلاقة بين حماس وإيران قائمة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وشهدت مزيداً من الانفتاح بعد تقديم الدعم والمساندة من قِبَل الحرس الثورة الإيراني لمبعَدي مرج الزهور في جنوب لبنان، وشهدت نقلات لافتة كلما تصاعد العمل المقاوِم في فلسطين، كما جرى في انتفاضة الأقصى وبعد ذلك في دعم حكومة حماس العاشرة وإسنادها على الصعيد السياسي والمالي، مع تنامي القُدرات القتالية للذراع العسكرية لحماس.

 

تاريخ العلاقة بين حماس والجمهورية الإسلامية الإيرانية لم يشفع للأولى من حملات التشويه من قِبَل بعض الأطراف العربية، خاصة في السنوات الأخيرة، لما تشهده المنطقة من حال سيولة وصراعات داخلية، بعد أن تعمَّدت بعض الدول الخليجية إجهاض الحراك الشعبي القائم في الساحة العربية، عبر الانقضاض عليه أو بإغداق المال والسلاح على أحد طرفي ّالنزاع، ووقوف إيران إلى جانب بعض الأنظمة والحركات الداعِمة للمقاومة.

 

حملة تشويه صورة حماس تقودها ثلاثة أطراف؛ الأول موجَّه من مؤيّدين لبعض الأنظمة الخليجية التي تشنّ عبر إعلامها حملة واسعة بين الفينة والأخرى على حركة حماس وعلى المقاومة الفلسطينية، وتعمل على شيطنتها لتبرير سلوكها التطبيعي مع العدو وتحوير العداء في المنطقة من "إسرائيل" إلى إيران، وهذه الفئة تعتبر بأن بناء علاقة قوّة بين حماس وإيران يحرجها في سلوكها التطبيعي.

 

أما الطرف الثاني فهو مُتأثر بالدعاية الموجّهة والتي مصدرها الأول السعودية ومشايخها، المستندة إلى أن الصراع في المنطقة هو صراع طائفي بين مكوّنات السنّة بزعامة السعودية، والمكوّن الشيعي بزعامة إيران. دعاية سياسية قائمة منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 مُستخدمة الفتوى الدينية في الحرب الدعائية، ونتيجةً للضخّ الإعلامي، فإن هذه الفئة تعتقد بأن العلاقة بين حماس وإيران قائمة على استغلال الأخيرة لحماس في حربها الطائفية في المنطقة.

 

أما الطرف الثالث وهو المناوئ للحكومات والأنظمة الحاكمة وجزءٌ منه مدعوم من الدول الخليجية المعادية لإيران، والآخر قد خسر المواجهة السياسية الداخلية في ظل الصراعات القائمة، ويحمِّل إيران مسؤولية انتكاسته، ويرى بأن صراعه السياسي هو البوصلة والمعيار لتقييم أيّ من المنظمات العربية، تسانده بعض الأصوات التي تؤيّد حماس في مواقفها، وهي نابعة من حال عاطفية، لا تنمّ عن وعي سياسي لمجريات الأمور في المنطقة.

 

تسعى الأصوات المناوئة للعلاقة بين حماس وإيران إلى تصوير نفسها بأنها تمثّل نبض الأمّة الإسلامية وصوت الحق فيها، في وقتٍ تتجاهل فيه المفهوم الحقيقي للأمّة الإسلامية القائمة من جاكرتا حتى طنجا، لم تبصر- كما يبدو- صورة القمّة الإسلامية في كوالامبور.

 

على الجانب الآخر يبرز عدد من المدافعين عن حركة حماس وسلوكها تجاه إيران، وينقسم هؤلاء إلى جزءين؛ الأول منهما يعمل على تبرير العلاقة مع إيران أنها من باب الاضطرار والحاجة في ظل تخاذل الحال العربية السنيّة، وتروّج هذه الفئة بأنه في حال وجدت حماس البديل ستتخلّى عن العلاقة مع إيران. أما الفئة الثانية فهي مؤيّدة بصورة كاملة لحركة حماس كونها رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني، وأنها حركة مجاهِدة قادرة على تحديد مسارها السياسي، وأن علاقتها مع إيران تساندها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأن حماس تمثل بوصلة المقاومة.

 

ثمة أزمة حقيقية يعيشها واقعنا العربي والإسلامي، نابعة من عدم المعرفة الكافية والمعمّقة للعدو، فأيّ مُتابع للمشهد الصهيوني يدرك تماماً بأن العلاقة بين حماس وإيران وكذلك حزب الله هي علاقة استراتيجية قائمة على وجود عدو مُشترَك هو العدو الإسرائيلي، وأن تنسيق الجهود بينهما يساهم كل يوم في مزيدٍ من الاستنزاف للعدو عبر الجبهات المتعدّدة في غزّة ولبنان وسوريا.

 

حقيقة تدركها القيادات الميدانية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية، كما يعيها المتابع لشؤون العدو والعارِف والفاهِم لسلوكه وخططه العسكرية، وبناءً عليه، فالعلاقة بين حماس وإيران ليست اضطرارية كما يحاول البعض تبريرها، بل هي علاقة دائمة وراسخة في مواجهة العدو الصهيوني والهيمنة الأميركية.

 

من نفس القسم دولي