دولي
المحاولة الأخيرة لإنقاذ إسرائيل
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 ديسمبر 2019
اعترفت "إسرائيل"، وبشكل لا يحتمل اللبس، أنها ارتكبت جرائم حرب بحق الفلسطينيين. وبدا أن مشكلة كيان العدو، حسب خطابه الرسمي هنا، ليست بالاعتراف، بل بقصة مدى اختصاص محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، في محاكمة المجرمين!
لا تخطئ العين، مهما كانت مصابة بالرمد، حجم الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان، في الماضي والآن لحظة كتابة هذه السطور، وفي المستقبل أيضاً، ولكن العدالة الدولية التي حاكمت قادة الصرب على جرائمهم في البوسنة، والمفترض أن تحاكم قادة الإرهاب الصهيوني، تقف عاجزة، حتى الآن، أمام سطوة الكيان وكثرة بكّائيه. ولكن يبدو أن ثمة تطورا "طفيفا" حصل في المشهد، حين أعلنت المدّعية العامة في محكمة الجنايات الدولية، فاتو بنسودا، قبل أيام، عن إمكان فتح تحقيق بارتكاب جرائم حرب من الكيان، في الضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها القدس المحتلة، وقطاع غزة.
حتى الآن، ما أعلنته بنسودا مجرد اعتقاد بأنه يوجد ما يبرّر الادعاء بجرائم كهذه، وأنها ارتكبت بالفعل. حيث إنها امتنعت عن فتح تحقيق بشكل فوري، وطلبت من قضاة المحكمة الدولية فتوى تؤكد صلاحيتها في فتح "تحقيق كامل" في غضون مائة وعشرين يوما.
وجاءت قصة "الاعتراف الإسرائيلي" في البيان الذي نشره، قبل بضع ساعات من نشر بيان
"مشكلة كيان العدو ليست بالاعتراف، بل بقصة مدى اختصاص محكمة الجنايات الدولية في لاهاي" المدعية العامة في لاهاي، المستشار القانوني لحكومة العدو، أفيحاي مندلبليت، وقال فيه أنه "ليس للمحكمة صلاحيات لفحص ما يجري في المناطق التي تحوزها إسرائيل"، وأن "الدول السيادية وحدها يمكنها أن تمنح المحكمة صلاحيات القضاء الجنائي. أما السلطة الفلسطينية، بشكل واضح، فهي لا تستوفي شروط وجود الدولة بموجب القانون الدولي وميثاق روما". ويعني هذا أن محامي الكيان لا ينفي عمليا ارتكاب جرائم حرب، بل يركز على مسألة من هو المخوّل لمحاكمتها!
انتظرت بنسودا خمس سنوات كي تنطق بـ"الجوهرة"، فما الذي جدّ حتى تُدلي ببيانها قبل مغادرة منصبها العام المقبل؟ في الكيان الغاصب، يعتقدون أن حدثين جديدين هما ما سرّعا بإصدار هذا البيان الذي أحدث زلزالا في أوساط النخبة الحاكمة: نوايا الضم لدى الحكومة الصهيونية على خلفية تصريح رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال بنيامين نتنياهو، ضم غور الأردن، وبيان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قانونية المستوطنات. ووفق بيان بنسودا، يوجد أساس معقول للاعتقاد بأنه ارتكبت جرائم حرب في فلسطين في موضوعات: البناء الصهيوني في المستوطنات التي تصفها جريمة حرب ارتكبها حكام الكيان المشاركون في أعمال نقل مستوطنين إسرائيليين إلى الضفة الغربية؛ وهجمات غير متوازنة نفذتها "إسرائيل"
"انتظرت بنسودا خمس سنوات كي تنطق بـ"الجوهرة"، قبل مغادرة منصبها العام المقبل؟" في العدوان على غزة المعروف إسرائيليا بحملة "الجرف الصامد"؛ وإطلاق جنود جيش الاحتلال النار على فلسطينيين تظاهروا قرب جدار الحدود في قطاع غزة، في إطار مظاهرات مسيرة العودة. وحسب توقعات خبراء القانون الدولي، الإدانة يمكن أن تطاول رؤساء أركان العدو منذ 2014 غانتس وآيزنكوت وكوخافي، وكذلك ألويةً وضباطا كبارا، ورؤساء المخابرات في الحاضر وفي الماضي، أرغمان ويورام كوهين، رئيس الوزراء نتنياهو، ووزراء الحرب، ليبرمان ويعلون وبينيت، وحتى وزراء إسكان بحكم مسؤوليتهم عن البناء في المستوطنات. وربما رؤساء مستوطنات، وموظفين في وزارة الإسكان، وما تسمّى الإدارة المدنية، وهي الذراع الحاكمة للاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي حال تمّت الإدانة المشكوك في أن تتم، تصدر محكمة جرائم الحرب أوامر استدعاء أو أوامر اعتقال لكل من تجده مناسبا، من مستوى الجندي أو الموظف وحتى رئيس "الدولة". ومؤكّد أن كيان العدو لن يتعاون مع مثل هذه الخطوة، ولن يسمح لرجاله بأن يخضعوا للتحقيق، ولكن من المشكوك فيه أن يخاطر
"يجد العدو دعماً غير محدود من شرطي العالم، وتواطؤاً علنيا وسرّيا من قادة دول عربية استمرأوا الخيانة" بالسماح بسفرهم إلى الخارج، خشية أن تكون كل دولةٍ موقعة على ميثاق روما (مصدر صلاحيات المحكمة في لاهاي) ملزمة بتسليمهم.
توحش كيان العدو على نحو غير مسبوق، وهو ماضٍ في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ولا علنيا وسرّيا من قادة دول عربية استمرأوا الخيانة، وربما يكون قرار المدّعية العامة لمحكمة لاهاي الفرصة الأخيرة لإنقاذ هذا الكيان المتوحش من نفسه، الذي يغذّ الخطو نحو انتحار مؤكّد، فهو كيان يأكل نفسه من الداخل، ويتصرّف في العالم بالضبط كأزعر الحارة، وهي حالةٌ لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، والمتواطئون معه، على كثرتهم، يمكن أن يختفوا في لحظة ما، فهو يقيم في جزيرةٍ يحكمها قراصنة ومجرمون وقطاع طرق ومرتزقة، وسط بحرٍ من الشعوب التي تمقته، وتتحيّن الفرصة للانقضاض عليه، وما لم تُعده محكمة العدالة الدولية إلى بعض من "الرشد"، سيكون مصيره كمصير أي مجرم فارّ من العدالة، حتى لو طال فراره.