دولي

تغيير نمط مسيرات العودة في غزة: تعليق مؤقت وفعاليات شهرية

نُظّمت المسيرات على مدى 86 أسبوعاً

اعتبرت ثلاث صحف إسرائيلية، أنّ إعلان الهيئة الوطنية العليا في قطاع غزة، وقف مسيرات العودة عند السياج الحدودي، "مؤشر فعلي" على اتجاه حركة "حماس" الفلسطينية نحو التهدئة التي تتيح للحركة إعادة الإعمار وتثبيت سلطتها في القطاع، لتجنب "قلاقل داخلية"، وفق التعبير الذي استخدمه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور.

 

علّقت صحيفة "هآرتس" على خبر وقف المسيرات، حتى مارس/آذار المقبل، قائلةً إنّ "حركة حماس تخبطت في الأشهر الأخيرة في مسألة مواصلة المسيرات الأسبوعية أو وقفها، وذلك بفعل الثمن الباهظ الذي جبته هذه التظاهرات الأسبوعية وسقوط آلاف الجرحى، وما يسببه ذلك من عبء على جهاز الصحة الفلسطيني في القطاع"، حسب تعبيرها. واعتبرت الصحيفة أن "قرار وقف المظاهرات يؤشر على استمرار الاتصالات ومحاولات جس النبض بين حماس وإسرائيل حول إمكانية هدنة طويلة الأمد في القطاع".

وأشارت الصحيفة، في السياق، إلى موقف رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال أفيف كوخافي، الذي يؤيد التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد، مقابل وقف المسيرات الأسبوعية، ومنح تسهيلات لقطاع غزة، بما في ذلك إدخال آلاف العمال الفلسطينيين من القطاع للعمل في إسرائيل، بالرغم من معارضة جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، الذي يبدي معارضة تتعلق بما يقول إنّها مخاوف من استغلال "حماس" لهؤلاء العمال لتنفيذ عمليات داخل الحدود الإسرائيلية.

في المقابل، فإنّ المستوى السياسي في إسرائيل، ولا سيما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يعمل وفق اعتبارات تتعلق بالمعركة الانتخابية، وخوفه من الظهور بمظهر الضعيف مقابل حركة "حماس" عشية الانتخابات المقررة في الثاني من مارس/ آذار المقبل.

من جهته، أشار موقع "معاريف" إلى أنّ وزير الأمن نفتالي بينت، يميل هو الآخر لقبول موقف الجيش الذي يسعى لتهدئة مع "حماس" للتفرغ لمواجهة الخطر الإيراني في سورية والعراق.وكان رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، قد أشار، في خطاب له قبل يومين، في هرتسليا، إلى "المخاطر الإيرانية"، مهدداً بمواصلة إسرائيل نشاطها لمنع التموضع الإيراني في الجبهة الشمالية، في إشارة لسورية ولبنان والعراق أيضاً.ولفت كوخافي، في خطابه، إلى أنّ إسرائيل ترصد لدى "حماس" توجهاً نحو التوصل إلى هدنة طويلة الأمد.

وبحسب يوآف ليمور في صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإنّ قرار "حماس" بهذا الشأن، "هو قرار استراتيجي، ويأتي في لحظة تقاطع مصالح مع إسرائيل التي لا ترغب بمواجهة في القطاع، وفتح جبهات في الشمال في سورية ولبنان وحتى العراق".

وبحسب ليمور، فإنّه يبدو أنّ "حماس معنية الآن بأن تؤشر لإسرائيل بأن نواياها جادة، ولذلك اتخذت هذه الخطوة الاستثنائية. ولم تكن هذه الرسالة الأولى أو الوحيدة التي وصلت من غزة، فقد امتنعت حماس بشكل منهجي، في الأشهر الأخيرة، عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، وحتى خلال الأيام المتوترة التي أعقبت اغتيال القائد العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة بهاء أبو العطا، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".وأضاف "منذ ذلك الوقت ألغت حماس غالبية التظاهرات عند السياج الحدودي تحسباً من إلهاب المشاعر وفقدان السيطرة في حال وقوع إصابات وجرحى، وبالتالي الوصول إلى حالة تصعيد غير مرغوب بها من قبل الحركة".

مع ذلك، لم يسقط ليمور من حساباته، أن يكون القرار نابعا أيضاً من الأحوال الجوية الماطرة ومن أن يفضل كثيرون في القطاع البقاء في البيوت.غير أنّه أشار، من جهة ثانية، إلى أنّ "حركة حماس تريد تهدئة، حتى تتمكن من إعادة إعمار القطاع، وهي تخشى من استمرار الوضع الراهن خاصة في ظل البطالة المرتفعة وأزمة البنى التحتية في القطاع وتداعيات ذلك السلبية على الحركة لجهة تعزيز قوة معارضيها".

بدوره، أبرز المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشواع، في تقرير، موقف الجيش الذي "يدفع بكل قوة باتجاه منح تسهيلات لقطاع غزة، مقابل المعارضة التي يبديها جهاز الشاباك"، معتبراً أنّ الخلاف بين موقف الجيش و"الشاباك"، هو ما يؤخر عملياً التوصل إلى تسوية، أو تهدئة تؤيدها غالبية قادة الجيش، والذين يعتبرون أنّ هناك فرصة سانحة للتوصل إليها، ومن شأن عدم استغلالها أن يؤدي إلى نتيجة عكسية تتمثل بانفجار الأوضاع.

وكالبقية، اعتبر يهوشواع أنّ قرار وقف المسيرات عند السياج الحدودي، يتفق مع ما ذهب إليه رئيس أركان جيش الاحتلال، في خطابه، من أن هناك رغبة قوية لدى "حماس" بعدم تصعيد الوضع في القطاع والاتجاه نحو التهدئة.

ويرى يهوشواع، أنّه مقابل الحذر الذي يبديه جهاز المخابرات العامة "الشاباك"، ورفضه لإدخال عمال فلسطينيين من القطاع للعمل داخل إسرائيل، فإن قادة الجيش، يرون فرصة الآن للتوصل لتهدئة، بفعل اغتيال بهاء أبو العطا.وينقل يهوشواع أنّ كوخافي وصف عملية اغتيال أبو العطا بأنها "خطوة ذات أهمية استراتيجية لا تكتيكية فحسب"، هدفت لإخراج الطرف الذي سعى إلى إشعال مواجهة عسكرية خلافاً لموقف "حماس" المعني بالتوصل إلى تهدئة.

  • تغيير نمط مسيرات العودة في غزة: تعليق مؤقت وفعاليات شهرية

ووفق "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، فقد بلغ عدد ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على المتظاهرين ضمن مسيرات العودة وكسر الحصار، 215 شهيداً منهم 47 طفلاً، وامرأتان، و9 من ذوي الاحتياجات الخاصة، و4 مسعفين، وصحافيان. أمّا الإصابات، فوصل عددها إلى 14815 شخصاً، منهم 3735 طفلاً، و391 امرأة، و255 مسعفاً و219 صحافياً.

وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قُدّمت في المسيرات، إلا أنّها أعادت إحياء ملف حصار غزة ومعاناة سكانه، وقد تقاطرت الوساطات على القطاع عقب الفعاليات، خصوصاً تلك التي سقط فيها شهداء، لمنع انزلاق موجات التصعيد التي أعقبتها إلى معارك كبيرة.

وبالفعل، حققت المسيرات جزءاً من مطالبها، وعلى رأسها التخفيف من الحصار الإسرائيلي، وفتح معبر رفح الحدودي بعد إغلاقه بوجه فلسطينيي غزة منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، إضافة إلى السماح بضخ الأموال للفقراء والمعوزين في القطاع المحاصر.لكنّ المسيرات تعرّضت في الوقت نفسه للكثير من الانتقادات الداخلية، خصوصاً لما تسببت به من معاناة لآلاف الجرحى الذين بترت أقدامهم خلال فعالياتها، مع غياب الرعاية والاهتمام الكافي بهم.

في السياق، قال القيادي البارز في الهيئة الوطنية العليا للمسيرات، ماهر مزهر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الهيئة "رأت وبوضح أنّ مسيرات العودة بحاجة إلى تقييم، وإلى تطوير وتفعيل أدواتها ورسالتها، لتنطلق بقوة وبفعاليات أكبر في الفترة المقبلة، وهو ما يجري العمل عليه الآن". وأوضح مزهر أنّه "مع بداية مارس المقبل، سيتم البدء بالتحضير لفعالية مليونية بذكرى يوم الأرض، والذكرى الثانية لانطلاقة المسيرات"، لافتاً إلى أنّه سيتم خلال الشهرين المقبلين "إعادة تفعيل اللجان وضخّ دماء جديدة لمواجهة الاحتلال".

وأشار مزهر إلى أنه "من الممكن أن نعود في أي وقت للميادين، إذا ما رأينا أنّ هناك ضرورة لذلك، ومن أجل إرسال رسالة للعدو ومن يحاصر غزة ومن يحاول الالتفاف على المسيرات". وعدّد مزهر منجزات مسيرات العودة، باعتبارها جزءاً من حالة النضال الشعبي الفلسطيني والموجات الثورية التي انطلق بها الفلسطينيون، قائلاً إنها "أحيت حلم العودة، وأكدّت أنّ هذا الحقّ لا يسقط بالتقادم، ووحّدت الفلسطينيين حول علمهم، وعملت على تخفيف الحصار، فضلاً عن أنها كشفت الوجه الحقيقي الدموي للاحتلال أمام العالم".

وبالنسبة لمزهر، فإنّ المسيرات "وفّرت البيئة الحاضنة لإعلان رفض وإفشال صفقة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بصفقة القرن)، وأرسلت رسائل تؤكّد للجميع بأنّ الشعب الفلسطيني على الرغم من معاناته وآلامه يملك مخزوناً نضالياً كبيراً".

 

  • مزهر: من الممكن أن نعود في أي وقت للميادين، إذا ما رأينا أنّ هناك ضرورة لذلك

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الهدف السياسي المعنوي لمسيرات العودة وكسر الحصار تحقق، وبقي هدف كسر الحصار كلياً"، مضيفاً أنه "لم يكن أحد يتوقّع أن تنتظم هذه المسيرات كل جمعة لفترات طويلة".

ووفق عوكل، فإنّ "هدف كسر الحصار مرتبط الآن بالتفاهمات التي جرت مع الفصائل في غزة عبر الوسطاء، سواء المصريين أو القطريين أو الأمم المتحدة". وأوضح أنّ تعليق المسيرات وتغيير توقيتها والاستمرار بذلك "مرتبط بمدى التزام إسرائيل بتفاهمات كسر الحصار وتطبيقها، ولكن لا يوجد ثقة في الاحتلال الإسرائيلي، وما يجري الآن هو وضع للسلاح على الطاولة، إلى حين أن يتغير الوضع في القطاع كلياً، فحينها يمكن إنهاء المسيرات كلياً".

واعتبر عوكل أنّ ما جرى "لا يعتبر تراجعاً من قبل الفصائل الفلسطينية والهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، كون المسيرات كانت مرتبطة منذ بدايتها بأهداف جرى ترجمتها عبر التفاهمات الحاصلة حالياً مع الاحتلال".

وفي حال عدم التزام إسرائيل بهذه التفاهمات، وفق عوكل، "فمن الممكن أن تعود المسيرات لفعاليات أسبوعية من أجل الضغط على الاحتلال، خصوصاً أنه لا يوجد وسيط في العالم يمكن أن يلزم إسرائيل بتنفيذ ما اتفق عليه".

 

من نفس القسم دولي