دولي

فلسطين تتحضر قانونياً لمرحلة تحقيق الجنائية الدولية بجرائم الاحتلال

تسعى لتقديم ملف قوي

تتجهز دولة فلسطين لتحضير العمل القانوني لاستكمال ملفات المحكمة الجنائية الدولية، بالشراكة مع الفرق في كافة التخصصات ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان ونقابة المحامين الفلسطينيين ومحامين دوليين، وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أنّ الملفات المطروحة أمام المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بثلاث قضايا رئيسية هي: العدوان الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة، وقضية الأسرى، والاستيطان، إضافة إلى أي اعتداءات يقترفها الاحتلال بعد صدور قرار المحكمة.

 

دعا رئيس الوزراء الدول التي لها أي حضور اقتصادي أو مالي أو بشري في المستوطنات غير الشرعية، المقامة على الأراضي الفلسطينية، إلى المسارعة بالانسحاب، تحاشياً لتعرض تلك الدول للمساءلة أمام القضاء الدولي، وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، قد قدّمت، الجمعة الماضي، طلباً للدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية، تطلب فيه تقديم حكم بشأن الولاية الجغرافية للأراضي الفلسطينية، وسط ترحيب فلسطيني.

وأكدت مصادر في وزارة الخارجية الفلسطينية، لـ"العربي الجديد"، أنه "وحسب قانون المحكمة الجنائية، فإنّ لدى الدائرة التمهيدية من تاريخ بدئها في التكليف، مدة أقصاها 120 يوماً يكون في نهايتها البدء الحقيقي لإجراءات التحقيق ضد الاحتلال الإسرائيلي".

من جهته، قال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، في تصريح لإذاعة "صوت فلسطين" إنّ الرئيس محمود عباس "منح كامل الصلاحيات من أجل التحضير للعمل القانوني فيما يتعلق باستكمال ملفات المحكمة الجنائية الدولية، وتشكيل الفرق في كافة التخصصات، والتشبيك مع الشركاء من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ونقابة المحامين، إضافة إلى فريق المحامين الدوليين للإعداد المحكم للفترة المقبلة"، وأشار المالكي إلى أنه ستتم دراسة كل الخيارات والاحتمالات للتحضير لأي خطوة استباقية ممكن أن تتم من طرف إسرائيل تجاه المحكمة الجنائية الدولية.

وتحدث المالكي عن حالة تخبط ورعب لدى الجانب الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّ "ردود الفعل تعكس المخاوف الكبيرة لديهم، وهو ما يثبت أن الإجراء الذي تم القيام به بالتوجه نحو الجنايات الدولية كان صحيحاً، وكذلك الانضمام إلى معاهدة روما، وانتظارنا كل هذا الوقت حتى نضجت الأمور في المحكمة"، وحذر المالكي من محاولات إسرائيل "الضغط على القضاة في الدائرة التمهيدية للخروج برؤية مختلفة تماماً عن تلك التي وصلت إليها المدعية العامة فاتو بنسودا، وفريقها للتملص من مسؤوليتها أمام المحكمة".

وقال المالكي إنّ "من ضمن التحضيرات أيضاً الإعداد لتقديم المرافعة الفلسطينية أمام الدائرة التمهيدية، وإنه من المتوقع تقديم مرافعة من قبل إسرائيل ودول أخرى بالنيابة عنها، من أجل التأثير على القضاة والتحرك ضمن الدول التي ينتمي إليها هؤلاء القضاة لممارسة الضغوط عليهم، وهو ما سيحتم علينا التعامل بشكل مسؤول ومهني لمتابعة التطورات وتحديد الخطوات بناء على ذلك"، ولفت المالكي إلى أنه في حال قررت إسرائيل عدم التعاون "فهذا منوط بالمحكمة الجنائية الدولية وكيفية اتخاذ القرار من المدعية العامة".

من جانبه، قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" جمال محيسن، في تصريح لإذاعة "صوت فلسطين"، "إنه سيتم استقبال ملفات الاعتداءات الفردية من قبل وزارة الخارجية، عن طريق لجنة مختصة بذلك ليتم رفعها بعد ذلك لمحكمة الجنايات"، أما ممثل فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة في جنيف إبراهيم خريشة، فقد تطرق في تصريح للإذاعة نفسها، اليوم الاثنين، إلى رفض إسرائيل قرار المحكمة الجنائية، وقال إنّ "أي اتهام لمسؤولين أو جنود إسرائيليين يجعل من هؤلاء مطلوبين لدى المحكمة، وتمكن ملاحقتهم بعدة أشكال خارج إسرائيل كما حصل في العديد من الحالات المشابهة".

بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بسام الصالحي، في تصريح، إنّ "إسرائيل ستستخدم كافة الوسائل لمنع استكمال التحقيق، سواء بمنع دخول المحققين إلى الأراضي الفلسطينية أو تعطيل القرار بدعم من الإدارة الأميركية"، وأكد الصالحي "جهوزية الفلسطينيين التامة لتقديم كافة الأدلة الموثقة بالصوت والصورة للجنائية الدولية، حتى لو منع الاحتلال دخول المحققين، من خلال لقائهم في الدول المجاورة لفلسطين".

من جانبه، أكد مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس معتز بشارات، في حديث لـ"صوت فلسطين"، أنّ ملفاً قانونياً يجمل انتهاكات الاحتلال والمستوطنين في الأغوار، سيتم تقديمه عبر جهات الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية، وأضاف بشارات، "الملف يتضمن توثيقاً لجرائم مصادرة الأراضي وتدمير الأراضي الزراعية وهدم المباني والآبار والسيطرة على مصادر المياه، والتهجير القسري، إضافة إلى التدريبات العسكرية ومخلفات المستوطنين"، مشيراً إلى أنّ ما يزيد عن 100 ألف دونم أعلنها الاحتلال مناطق عسكرية مغلقة، تمهيداً للسيطرة عليها، فضلاً عن مطاردة المواطنين والرعاة ومصادرة أراضيهم وآلياتهم.

أما أمين سر هيئة "العمل الوطني" في قطاع غزة، محمود الزق، فقد اعتبر أنّ الاحتلال بحد ذاته جريمة كبرى يجب أن تُحاسب عليه إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، قبل محاكمة قادتها لارتكابهم جرائم حرب في الضفة وقطاع غزة، وقال الزق إنّ "إسرائيل دولة تحتل دولة أخرى وتقتل شعبا، وعليه يجب إنهاء الاحتلال كجريمة بكل أدواتها"، مشيراً إلى أنّ "الملفات التي قدمتها منظمات حقوق الإنسان في قطاع غزة للجنائية الدولية مدعمة بالصوت والصورة".

من جهته، أكد رئيس "نادي الأسير" الفلسطيني قدورة فارس، أنّ "أهم خطوة يمكن اتخاذها على الصعيد الفلسطيني الداخلي، لدعم إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، هي مقاطعة الجهاز القضائي للاحتلال بكافة مستوياته، والتي شكلت على مدار سنوات الاحتلال، أداة أساسية في تشريع وترسيخ الجريمة"، وشدد فارس على أن "أهمية إعلان المدعية العامة لفتح تحقيق في جرائم الاحتلال، لا تقتصر على الصعيد الفلسطيني، بل هو انتصار للإنسانية، على أمل أن يكتمل هذا المشوار، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهه، وضمان عدم حدوث أي تراجع في المستقبل تحت وطأة الضغوط التي يمكن أن يشكلها الاحتلال الإسرائيلي، وحلفاؤه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية".

 

  • إسرائيل تشيطن بنسودا وتسعى لتقويض شرعية المحكمة الجنائية الدولية

هذا وتواصلت ردود فعل الاحتلال الإسرائيلي عقب إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية في لاهاي لجرائم الحرب، فاتو بنسودا عن وجود أساس للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ولم تقف هذه الردود عند إعلان المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفيحاي مندلبليت أن المحكمة لا تملك ولاية قانونية للتحقيق في الشكاوى الفلسطينية، أو تصريحات رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو عبر اتهامه للمحكمة بأنها تكيل بمكيالين وتهاجم فقط "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" وفق تصريحات له، إذ بدأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" هي الأخرى في محاولة تشويه صورة وشخصية المدعية العامة بنسودا، عبر التذكير بسيرتها المهنية في موطنها الأصلي غامبيا كمدعية تحت حكم الطاغية السابق في غامبيا، يحيى جاميا و"سكوتها" خلال تلك الفترة على جرائم جاميا، و"تحولها إلى ناشطة في مجال حقوق الإنسان فقط بعد فصلها من منصبها وبعد أن عملت تحت حكم الطاغية لسنوات".

وامتلأت الصحف الإسرائيلية، بمقالات من كتاب يمينيين، مثل بن درور (يميني) الذين سارعوا في "يديعوت أحرونوت" إلى اتهام المحكمة الدولية في لاهاي بـ"النفاق والرياء"، وهو ادعاء لا تتردد دولة الاحتلال من أصغر مسؤول فيها وحتى رئيس الحكومة نتنياهو، في التلويح به كلما وجهت أصابع الاتهام لجرائم الحرب الإسرائيلية، وأبرزت "يديعوت أحرونوت" في تقرير موسع لها، أنها ستنشر في ملحقها الأسبوعي الجمعة تحقيقا خاصا عن المدعية فاتو بنسودا. خاصة وأنها بحسب زعم الصحيفة رغم أنها "تحولت منذ عدة سنوات، في ظل نضالها من أجل حقوق الإنسان إلى أبرز شخصية في عالم القانون والعدل دوليا، إلا أن هناك وصمة من ماضيها، تخيم على السنوات التي سبقت تحولها إلى قانونية رفيعة المستوى في لاهاي".

واستحضرت الصحيفة، حقيقة كون بنسودا المحامية الشخصية لرئيس غامبيا السابق بين عامي 94 و96 ثم تعيينها مدعية عامة في كل غامبيا، ووزيرة العدل في الدولة، مع ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن بنسودا كانت حتى قبل وقت قصير تعتبر صديقة لإسرائيل، حيث كانت منعت فتح تحقيق دولي ضد جرائم الحرب الإسرائيلية السابقة، بما في ذلك خلال وبعد عدوان الجرف الصامد، وضد جريمة أسطول الحرية في العام 2010 عندما قام الكوماندو البحري للاحتلال الإسرائيلي باعتراض أسطول الحرية وتنفيذ عملية إنزال في سفينة مافي مرمرة وقتل 13 متطوعا تركيا كانوا على متن السفينة، التي انطلقت لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.

 

من نفس القسم دولي