دولي
يحدث في القدس
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 ديسمبر 2019
تسارعت، في فترات رئاسة بنيامين نتنياهو الحكومة الإسرائيلية، وتيرة الاستيطان في القدس بشكل غير مسبوق، فقد تمّ إصدار قوانين إسرائيلية عديدة خلالها، بغرض الإخلال في الواقع الديمغرافي لصالح اليهود في المدينة، وكان قانونا تهويد التعليم والغائبين في القدس من أخطر القوانين التهويدية العنصرية الصادرة.
يرمي الأول إلى طرد أكثر من ثلاثين ألف طالب عربي مقدسي إلى خارج مدينتهم.
وتهدف إسرائيل من القانون الثاني إلى السيطرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا خلال العقود الماضية من عمر الاحتلال الإسرائيلي، وجعلهم أقلية لا تتجاوز نسبتها 12% من إجمالي سكان القدس، بقسميها الغربي والشرقي.
وتبعاً للسياسات الاستيطانية التهويدية في المدينة، بات في مدينة القدس 26 مستوطنة إسرائيلية، يتركز فيها 190 ألف مستوطن.
وفي مقابل ذلك، لا يزال في المدينة 230 ألف عربي مقدسي، تسعى إسرائيل إلى طرد غالبيتهم، بعد السيطرة على النسبة الكبرى من أراضيهم وعقاراتهم ومحالهم التجارية.
وتعتبر القدس المحتلة مركز جذب للمهاجرين اليهود، وساعدت في ذلك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي فرضت اقتطاعات سنوية كبيرة من الموازنات الإسرائيلية، لتنفيذ مزيد من المخططات الاستيطانية لتهويد كل مناحي الحياة في المدينة، حيث بات يقطن في جزئيها الشرقي المحتل عام 1967، والغربي المحتل في عام 1948، حوالي ثمانمائة ألف يهودي من إجمالي مجموع اليهود في إسرائيل والأراضي والضفة الغربية في نهاية العام الحالي 2019. واللافت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد سعت، منذ اتفاقات إعلان المبادئ مع منظمة التحرير (أوسلو) في عام 1993، إلى تهويد الجزء الشرقي من مدينة القدس، لمحاصرة آمال الفلسطينيين؛ خصوصا المتعلقة بجعل الجزء الشرقي عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة.
تستغل إسرائيل انحياز إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، المطلق لتصوراتها العدوانية التوسعية، لوضع مخططات وتنفيذ سياسات مدروسة حول مستقبل القدس، بغرض جعل اليهود أكثرية
"لا يفقد اليهودي الجنسية الإسرائيلية حتى لو غاب عشر سنوات، أو عدة عقود، أو حمل جنسية إضافية، على عكس الفلسطيني المقدسي صاحب الأرض الأصلي" ساحقة فيها، بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من دول أفريقية وآسيوية، بعد تراجعها من الدول الأوروبية وأميركا وكندا، من خلال تقديم مغرياتٍ مالية إسرائيلية سخية للعائلة اليهودية التي تقطن في القدس أو الأطواق الاستيطانية والأحياء العربية القديمة، وذلك بغية ارتفاع مجموع اليهود في المدينة.
وفي الوقت نفسه، ستواكب هذه الزيادة لليهود في القدس، وفق المخططات الإسرائيلية، سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمتٍ عنها، عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم باتباع الإجراءات العنصرية التالية: إذا عاش الفلسطيني خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية دولة أخرى، وكذلك الحال إذا سجل العربي المقدسي إقامته في بلد آخر.
وتبعاً لهذه الحالات، تقدّر المصادر الإسرائيلية عدد العرب في القدس المعرّضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقاءهم خارجها.
وقد وضعت كل الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وفق أحكام القانون الإسرائيلي، الدقيق والمخطط له مسبقاً، فصاحب الأرض الأصلي العربي المقدسي، وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان، معرّض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة، والحامل أكثر من جنسية، أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين المحتلة، حتى يصبح مواطناً في مدينة القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب عشر سنوات، أو عدة عقود، أو حمل جنسية إضافية، على عكس العربي صاحب الأرض الأصلي الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية عنصرية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكل الوسائل.
وتستغل إسرائيل انشغال وسائل الإعلام، المرئية والمكتوبة، بثورات الربيع العربي، لجهة تنشيط الاستيطان في مدينة القدس، وفرض الأمر الواقع التهويدي فيها.
ولهذا لا بد من تسليط الضوء بشكل دائم على سياسات إسرائيل التهويدية في مدينة القدس، في وقتٍ لم تتوقف فيه عمليات الحفر أسفل المسجد الأقصى المبارك، وكذلك هدم منازل المقدسيين وعقاراتهم، والسيطرة على ما تبقّى من أراضيهم، لدفعهم إلى الهجرة خارج مدينة القدس.