دولي

مسيرات العودة مستمرة : كوةٌ في جدار حصار غزة

سبقت المسيرات حالة إهمال دولي وإقليمي لقطاع غزة وأزماته

يواصل آلاف الفلسطينيين كلّ يوم جمعة، منذ 30 مارس/ آذار 2018، المشاركة في فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار على الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة، على الرغم من حجم التحديات التي يفرضها طول أمد هذه المسيرات على القائمين عليها، هذه المسيرات، التي خلفت مئات الشهداء والجرحى، لا تزال تواصل تحقيق إنجاراتها، بدءاً من تثبيت الصد الشعبي الفلسطيني لـ"صفقة القرن"، مروراً بإعادة تسليط الضوء على معاناة القطاع المحاصر، وليس انتهاء باستنزاف المؤسسة العسكرية للاحتلال والتنغيص بوتيرة دائمة على مستوطنيه.

حلّت نهاية الأسبوع الماضي الجمعة الـ81 من المسيرات التي قدمت غزة منذ انطلاقها 214 شهيداً، منهم 46 طفلاً وامرأتان وتسعة شهداء من ذوي الاحتياجات الخاصة وأربعة مسعفين وصحافيان، وفق توثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. ووصلت الإصابات جراء قمع الاحتلال للتظاهرات الغزّية إلى 14453 إصابة، منهم 3592 طفلاً، و383 امرأة، و250 مسعفاً و216 صحافياً.

وعلى الرغم من تراجع الزخم الشعبي والإعلامي الذي حظيت به الأسابيع الأولى للمسيرات، نتيجة استمرار الفعاليات من دون إخضاعها لأي عملية تحديث، إلا أن ذلك لم يحل دون استمراريتها، وهو ما أكدته الهيئة العليا للمسيرات، ملتزمة بطابعها السلمي الشعبي حتى تحقيق أهدافها.

في الشكل، حققت مسيرات العودة "إنجازات" عدة، بعضها لمسه المواطنون بشكل مباشر، وجاءت تزامناً مع تكاثر الأزمات في القطاع الساحلي المحاصر، ومع الخروج إلى العلن لما بات يُعرف بـ"صفقة القرن"، وهي الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، والتي لا يرى فيها الفلسطينيون سوى "مؤامرة" تستهدف القضاء على ما تبقى من قضيتهم.

وكانت قد سبقت المسيرات حالة إهمال دولي وإقليمي لغزة ومشاكلها، بعدما تعاقبت عليها الأزمات، وأخطرها الاقتصادية منها، والتي أوصلت البطالة والفقر في صفوف سكانها إلى أرقام قياسية. ومع انطلاق مسيرات العودة، وفي خضّمها، عاد القطاع ليشهد تقاطر وفود عربية إليه، وعودة الدعم الإنساني الخارجي، ليعود معه إلى دائرة الضوء مجدداً.

ويؤكد عضو الهيئة القيادية العليا للمسيرات، القيادي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، ماهر مزهر، في حديث لـ"العربي الجديد"، على استمرارية مسيرات العودة وتواصلها، مشدداً على أنها "محطة من محطات النضال الوطني الفلسطيني لن نستغني عنها، وسنتمسك بها حتى تحقق الأهداف التي انطلقت من أجلها". ووفق مزهر، فإن كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، يقع في مقدمة هذه الأهداف، بالإضافة إلى "تعزيز حلم العودة إلى الديار في عقول وقلوب الفلسطينيين"، واعتبر مزهر أنّ مسيرات العودة "أعادت وضع القضية الفلسطينية على الطاولة مجدداً، وأكدت أن هناك شعباً ينشد الحياة الكريمة والعودة إلى أرضه والاستقلال"، مشيراً في هذا الإطار إلى "وقوف المسيرات سداً منيعاً أمام صفقة القرن المؤامراتية".

ولفت مزهر كذلك إلى أنّ المسيرات كشفت "الوجه الحقيقي لهذا العدو المجرم"، الذي "لا علاقة له بالعدالة والديمقراطية"، كما كشفت "مدى بطشه بالمواطنين السلميين"، لافتاً من جهة أخرى إلى "قدرتها على استنزاف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، والتنغيص على مستوطني غلاف غزة، وترحيل بعضهم"، ولفت عضو الهيئة القيادية العليا للمسيرات، إلى أنه قبل 30 مارس/ آذار 2018 (تاريخ انطلاق هذا الحراك) شحت كثيراً الزيارات التي حظيت بها غزة، بل وصلت إلى حدّ اختفائها، ولولا مسيرات العودة لما عاد القطاع لينعم بزيارات لوفود متعددة، مؤكداً أنّها استطاعت أن تفتح كوة في جدار الحصار المفروض على الفلسطينيين، وأن إعادة فتح معبر رفح من أهم إنجازاتها.

بدوره، أكد المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حازم قاسم، في حديث لـ"العربي الجديد"، على استمرارية مسيرات العودة لما تعبر عنه من "رفض شعبي فلسطيني لكل محاولات تصفية القضية الوطنية أو الانتقاص من حقوقهم". وذكّر بأنّ تاريخ انطلاق المسيرات تزامن مع بلوغ الحديث عن "صفقة القرن" أوجه، فأدت المسيرات دورها كإحدى أكبر وأهم حركات الاحتجاج ضد الصفقة، مشدداً على استمراريتها "طالما استمر الحصار مفروضاً على القطاع".

وبالحصيلة، رأى قاسم أن المسيرات جمعت بين كونها حركة احتجاج على مشاريع (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب التصفوية، مؤكدة رفض الشعب الفلسطيني للقرارات الأميركية، وتجسيداً لوحدة شعبية ميدانية غير مسبوقة، وأداة شعبية فعلت فعلها في خلخلة جدار الحصار المفروض على غزة، مع فضحها محاولات بعض الجهات تطبيع علاقتها مع الاحتلال، على حدّ قوله. ولفت المتحدث باسم "حماس" في هذا الإطار، إلى تذكير مسيرات العودة العالم والمهرولين نحو التطبيع بأن الشعب الفلسطيني لا يزال تحت نير الاحتلال، الذي يواصل ارتكاب جرائم ضد شعب أعزل، معرباً عن اعتقاده بأنّ المسيرات عملت بقوة على عرقلة وإبطاء مسار التطبيع.

من نفس القسم دولي