دولي
السلطة الفلسطينية.. من مزالق أوسلو إلى حجب المواقع
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 أكتوبر 2019
في الوقت الذي تثور فيه حركة الشعوب طولا وعرضا نحو الوعي والتحرر من أصفاد الاستبداد وأغلال القهر والجور، وفي مرحلة مهمة من تاريخ أمة مقدسية تسعى إلى التحرر من الطغيان والعلو الصهيوني، تدخل سلطة عباس في دوامة التسلط المتصف بالغباء ضد الشعب الفلسطيني الذي كان ينتظر السلطة كجهاز نافع ومدافع، لا كماشة احتلال واستكمال قامع، تكمل مزالق أوسلو وأخطاء الماضي وتنفع جهود الشاباك الاستخباراتي.
وفي كل مرحلة تتغير فيها كفة الأرض لصالح الأمة والشعب الفلسطيني، وفي كل مرة تتحول فيها معادلة الردع لمواجهة الصفقة لصالح الشعب الفلسطيني والمقاومة فإن المشروع الصهيوني يأبى إلا أن يخرج أطرافه الجزئية، عساها تضيق خنقا على الشباب الفلسطيني والمقاومة الشعبية وتخرب كل إرادة فلسطيني يعيش في الأرض المباركة، وأقصد هنا أن أرباب صفقة القرن يوظفون الغباء لقوة الدهاء، يستغلون غباء السلطة حسب مقاسهم ووفق المرحلة الراهنة الفارقة والحرجة تاريخيا من عمر المشروع الصهيوني.
فلما كانت القوى المشكلة للسلطة سابقا تمثل قوة مقاومة ونضال فللأسف انتقلت مع اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد إلى قوى فارغة، ثم تم تفرغيها بعد اختراقها صهيونيا لتعبأ بما هو مناسب من كوادر وتصور جديد يخدم العالم الاستكباري. دون أن نستثني الفضلاء الصادقين الذين يرفضون التحول الفتحوي في المسار النضالي.
كيان في كيان
وصول السلطة إلى هذا الحضيض من المنزلقات التطبيعية وهذا المستوى من التنسيق مع الصهيونية يحولها من قوة تخدم الشعب وتصوره وهويته إلى قوة تخدم صفقة القرن دون شعور أو بشعور ثم إلى قوة تواجه مقومات الشعب وأهم ما بقي فيه وهو فكره وإرادته، وفطرته ودينه.
إذن هي أزمة انزلاق فكري وأزمة عقل في قيادة السلطة تتجدد فتغير في مسار السلطة إلى تصور منحط في الفكر والسياسة التطبيعية التي فرغت الكوادر، وهمشت الصادقين منهم.
الأدهى والأمر أن تتحول السلطة إلى كيان في كيان، إلا أن الكيان المحتضن هو كيان دولة وقوة صهيونية، في المقابل كيان السلطة هو كيان منزلقات اوسلو، هو كيان جرة فخار خاوية يملؤها الاحتلال بأي تنسيق سلطوي مع الشاباك الصهيوني الاستخباراتي، أي أن السلطة جرة منكسرة هشة وكيان فارغ انتقل من وجود منظمة وتحرير إلى منظمة دون تحرير، إلى جرة دون منظمة ولا تحرير، أي بشر وأرقام في خوالف التاريخ دون مؤسسات أو مبادئ أو قيم إلا من رحم الله، لنقول أن بين ثنايا الخاطئين هناك رجالا صادقين فضلاء منطقيين.
وقد لمسنا هذا الحضيض في قمة التنسيق الشاباكي السلطوي في اعتقال الشباب الثائر، وخنق غزة، وتوسيع الانقسام دون مبررات، بل والأدهى أن تتحول السلطة إلى ورشة تصلح عجلات جيبات الاحتلال المعطلة في الطريق بذلة ومهانة.!
المرحلة الجديدة
المرحلة الجديدة من التحول السياسي في مسار السلطة هو الانتقال من التضييق على المؤسسات والمقاومة والشعب إلى خنق كل حرية في الإنسان الفلسطيني، أي التضييق على كل روح تتنفس الصعداء. وما أقدمت عليه السلطة من حجب خمسين موقعا إلكترونيا فلسطينيا وعربيا يحكي الحقيقة لهو دلالة على بروز الديكتاتورية السلطوية في أبشع قواها لتحجب حقيقة المقاومة ووجود انتصارات ونقط قوة في الشعب الفلسطيني.
أي أن التضييق الإعلامي على الشعب هو يخدم صفقة القرن التي تريد تصفية كل مقومات الشعب الفلسطيني، ومنها فكره ووعيه وإرادته. بل إن خطوة السلطة على هذا الحجب للإعلام له دلالات:
ـ يفيد أن الشعب الفلسطيني يتابع قضايا الأمة وحراكها ويتفاعل معها من خلال هذه المواقع التواصلية، فيعرف أن قيس سعيد رئيس جديد يصرح أنه سيدعم الشعب الفلسطيني، ويتابع أن جماهير الرجاء والمغرب تناصره ولو من الملاعب، ويتابع أن الشعوب كلما تحركت في ثورة إلا وكان شعارها الثاني والتالي عودة فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني الذي كان سببا في تمزق الشعوب وصناعة أنظمة جبرية تحكم بالظلم.
ـ يفيد الحجب السلطوي أن هذه المواقع حققت التواصل والوعي، وأن الشعب الفلسطيني رغم جهود مائة سنة من الاحتلال لطمس وطرس هويته فإنه لم يستنكف عن إرادته وصموده، لذلك كان ولا بد من الاحتلال من توظيف سلطة عباس لتكمل ما فشلت فيه سلطة الاحتلال لضرب منظومة الفكر والوعي.
ـ يفيد الحجب أن الاحتلال والصفقة فشلا في ضرب أقوى مقوم في الشعب الفلسطيني وهي المنظومة الفكرية والفطرية، فاستكمل الاحتلال جهوده لتخريب العقل الفلسطيني بسلطة ثانية هي سلطة عباس لحجب كل قناة علم أو معرفة أو تعبئة أمل وتفاؤل. وربما هذا التوجه القمعي في مسار السلطة عباس سيزيد من فقدان الثقة من قبل شعب تحول إلى قوة تفكر وتفقه أن السلطة أصبحت عالة وجهازا غير مسؤول، بل قوة قمعية لا تختلف عن الأنظمة الديكتاتورية العربية التي أنتجها الاستكبار العالمي.
ختاما، التاريخ فرص، وكان المطلوب من السلطة المنهزمة انتهاز فرصة بقاء حيز من الزمن لمراجعة مسارها، وإصلاح توجهها، والصلح مع الشعب، وتوجيه الرفض وبوصلة المواجهة نحو التطبيع، ومناهضة الاحتلال والميز العنصري، وتوجيه اللوم لأرباب صفقة القرن والعرب الذين فتحوا الباب على مصراعيه بدل حجب المواقع ومتابعة التنسيق مع الاحتلال لخنق المقاومة الشعبية وتجفيف ينابيع طوفان قادم لا محالة.
هشام توفيق