دولي

المقاطعة الرياضية للاحتلال بين الأنظمة والشعوب

القلم الفلسطيني

ارتفعت في الآونة الأخيرة وثيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف الأنظمة العربية المهرولة، و اتخذت منحى أكثر رسمية و علانية خاصة على الصعد السياسية و الدبلوماسية و الاقتصادية.

و شهد المجال الرياضي خاصة تسارعا في حجم و شكل هذا التطبيع، إذ تم أواخر الشهر الماضي استقبال وفد رياضي اسرائيلي في قطر ضمن بطولة ألعاب القوى، و قبلها بحوالي العام تقريبا، تكرر نفس الفعل في بطولة الجمباز، كما أن بداية هذا الشهر أكتوبر 2019 دخل فريق الرجاء البيضاوي المغربي إلى الأراضي المحتلة لمقابلة فريق هلال القدس الفلسطيني ضمن الكأس العربية للأبطال، و ينتظر كذلك دخول المنتخب السعودي لمواجهة المنتخب الفلسطيني بالأراضي المحتلة خلال نفس الشهر.

هذه الأحداث وما سبقها وما سيتلوها من أنشطة مماثلة، كلها تبين بكل وضوح سعي النظام الرسمي العربي للتطبيع مع الصهاينة و الانفتاح عليهم في كافة المجالات، على الرغم من الرفض و التمنع الشعبي الكبير الذي تبديه الشعوب العربية في ذلك، و خير مثال على ذلك في المجال الرياضي هو انسحاب الكثير من اللاعبين العرب في الرياضات الفردية و رفضهم منازلة رياضيين من دولة الاحتلال.

فهل ستنجح الأنظمة في التطبيع مع الصهاينة؟ أم أن المقاطع الشاملة ومنها الرياضية هو قدر الكيان الغاصب؟ 

"إسرائيل" كيان معزول :

تواجه دولة الاحتلال منذ إنشاءها عزلة اقليمية و دولية في كل المجالات، و في الرياضة بشكل أخص، حيث أنها ليست عضوا في الاتحادات الرياضية القارية لأسيا و إنما ضمن أوربا، على الرغم من أن أراضي 48 التي يقام عليها الكيان الصهيوني هي جزء من فلسطين التاريخية تقع في قارة اسيا، و تبعا لذلك فإن المنتخبات و الفرق و اللاعبين الرياضيين الصهاينة يجرون إقصاءاتهم و مبارياتهم مع الفرق الأوربية. كما أن الصهاينة فشلوا في تحقيق إنجازات رياضية مهمة على الرغم من الامكانيات الضخمة المتوفرة لديهم، سواء فيما يتعلق بتنظيم ملتقيات رياضية دولية ، أو فيما يرتبط بفوز لاعبيهم أو فرقهم بالمباريات أو الألقاب.

من جانب أخر يلقى رياضيو دولة الاحتلال رفضا كبيرا عبر العالم سواء من طرف اللاعبين و الفرق الرياضية أو من طرف الجماهير المشجعة، و ما شعارات وحملات مساندة فلسطين و رفض الاحتلال التي تعلو مدرجات الملاعب الأوربية سوى أكبر دليل على ذلك.

توظيف الصهاينة للرياضة في التسويق لمشروعهم :

يدرك الصهاينة أهمية الرياضة في العلاقات الدولية و دورها المهم في تقوية العلاقات بين البلدان، أو في توتيرها أو قطعها، ولذلك يسعون لتوظيفها، خاصة و أن الرياضة تعتبر أداة اختراق كبير للرأي العام ووعي الجماهير، نظرا للشعبية الكبيرة التي تحظى بها لدى الأفراد و الشعوب بشكل يفوق مكانة و أهمية باقي مجالات حياة الناس و اهتماماتهم من ثقافة و فنون ... 

و في هذا الإطار تأتي زيارة بعض قادة دولة الاحتلال للفرق الرياضية ذات الصيت العالمي الكبير كما فعل شمعون بيريز في فبراير 2011 حيث زار فريق ريال مدريد، و دعوة الصهاينة المتكررة للأندية الرياضية بالمجيء إلى فلسطين المحتلة لإجراء مباريات ودية أو إقامة معسكرات تدريب، و قد لقت دعواتهم هذه استجابة محدودة من بعض الفرق الأوربية. كما أن زعماء الكيان الصهيوني يعملون على استمالة بعض الرياضيين المشهورين عالميا للتسويق للمشروع الصهيوني من خلال زيارة الأراضي المحتلة أو القيام ببعض الأنشطة الدعائية من مثل لبس القلنسوة اليهودية أو زيارة بعض الأماكن المقدسة كحائط البراق، حائط المبكى في زعمهم، أو زيارة "متحف الهولوكوست".

و في الاتجاه الآخر يمارس قادة الاحتلال ضغوطا كبيرة على الدول و الهيئات الرياضية العالمية لمنع و معاقبة كل الرياضيين المتضامنين مع فلسطين أو الذين يعبرون عن رفضهم واستيائهم من جرائم الاحتلال، ويرفضون ويزعجهم كثيرا أن تكون ميادين الرياضة ساحات لفضحهم وإظهار قبح كيانهم وهمجيتهم. 

هذه اجراءات و مواقف تدلل على أن الرياضة حاضرة بقوة في تخطيط و اهتمامات الصهاينة و يعملون على توظيفها بما يخدم مشروعهم العنصري. لكن بالمقابل تشكل الرياضة إحدى أهم نقاط ضعف كيانهم المهزوز، حيث ظهر عجزهم في اختراق المنتديات و المحافل الرياضية على الصعيد العالمي بالحضور و المشاركة أو بالفوز و التتويج.

أشكال ومجالات المقاطعة الرياضية :

إن المقاطعة الرياضية لدولة الاحتلال تعني فيما تعنيه، واجهة من واجهات المقاومة في وجه المشروع الصهيوني و شكل من أشكال المساندة الجماهيرية القوية لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة و المشروعة، وأداة فعالة لفضح الجرائم والتاريخ الدموي ل "إسرائيل" و لذلك تقتضي من الشعوب العربية و الاسلامية و من كل حر في العالم عدم المشاركة في المباريات و اللقاءات الرياضية الجماعية و الفردية التي يكون فيها الطرف الاخر من الكيان الصهيوني، سواء كانت مباريات رسمية أو ودية.

كما تستلزم عدم زيارة الأراضي المحتلة لحضور أو المشاركة في أي نشاط رياضي مهما كان نوعه ومناسبته، و لا تشجيع اللاعبين أو الفرق الرياضية الصهيونية أو تلك التي تصرح علانية بدعمها و مساندتها للاحتلال الصهيوني. كما أن المقاطعة الرياضية تستوجب من الأحرار رفض استضافة أي فريق أو لاعب رياضي صهيوني، كما فعلت ذلك دولة ماليزيا مستهل هذه السنة 2019 عندما رفضت استقبال سباحين من دولة الاحتلال ضمن بطولة العالم للسباحة البارالمية، ولو كان ثمن ذلك سحب تنظيم البطولة منها.

وختاما فإنه مهما حاول المطبعون و المهرولون، سواء كانوا نظاما رسميا عربيا أم أشباه المثقفين أو أشباح الرياضيين و الفنانين، لإخراج دولة الاحتلال الاسرائيلي من عزلتها الاقليمية و الدولية، و تطبيع العلاقات معها، فإنهم لن يفلحو في ذلك، لأن الشعوب العربية و الاسلامية عصية على التطويع في اتجاه الذل و الاستكانة و التصالح مع كيان قائم على اغتصاب الأراضي و تهجير سكانها و قتل الأطفال و النساء و الشيوخ، تجاريها في ذلك كل الشعوب والأمم الحرة في العالم.

علي بادي 

 

من نفس القسم دولي