دولي
تعذيب الأسرى الفلسطينيين... منظومة إسرائيلية متكاملة
إعطاء القضاء قراراً استثنائياً بالتعذيب يثبت أنّ الاستثناء هو القاعدة باستمرار تعذيب
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 12 أكتوبر 2019
• تعذيبهم لا يقتصر على فترة التحقيق بل إنّ أساليبه المختلفة تلاحق الأسرى مدة اعتقالهم
لم يكن تعذيب الأسير الفلسطيني سامر العربيد من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، خلال التحقيق معه بعد اعتقاله في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، وإدخاله المستشفى بوضع صحي خطير، حالة التعذيب الوحيدة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ إنه إجراء يتعرض له مختلف الأسرى الفلسطينيين، بل إنّ ذلك يأتي ضمن منظومة متكاملة من التعذيب الذي تتعدد أشكاله وأنواعه وأساليب استخدامه، وقد أدخل أسرى معترك الأمراض، فيما أودى بحياة آخرين.
استخدم الاحتلال مع سامر العربيد التعذيب الجسدي خلال التحقيق معه، بعد استصدار قرار قضائي يسمح لمحققي الاحتلال بذلك، باعتباره "قنبلة موقوتة" يجب انتزاع اعترافات منه. فالاحتلال يتهم سامر بترؤس خلية عسكرية تتبع لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وبتنفيذ عملية تفجير عبوة ناسفة في أغسطس/ آب الماضي، قرب منطقة عين بوبين، القريبة من قرية دير ابزيع غرب رام الله، قتلت فيها مستوطنة إسرائيلية.
وتؤكد الباحثة في "نادي الأسير الفلسطيني"، أماني السراحنة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الأسير سامر العربيد لم يكن الحالة الوحيدة التي تتعرض للتعذيب الجسدي، ولكن أعيد تسليط الضوء على هذا الأمر الآن لأنه وصل به إلى وضع صحي خطير.
يعاني الأسير المحرر فراس طبيش من بلدة دورا جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية لغاية الآن من آثار التعذيب الذي تعرّض له خلال التحقيق معه في سجون الاحتلال قبل سبع سنوات، وتلازمه مشاكل صحية من جراء ذلك. ويروي طبيش لـ"العربي الجديد"، ظروف تعذيبه وضربه الذي استمر أياماً أغمي عليه خلالها أكثر من مرة. ويقول إنه تعرّض في اليوم الأوّل لاعتقاله، لأساليب تعذيب عدة أهمها بطريقة "الموزة" (إحدى وضعيات التعذيب للأسرى)، فيما كان محقق يجلس فوق رجليه ويهزه بشكل قوي، ومحقق آخر يقترب من رأسه قائلاً: "تريد أن تموت؟ أم تتكلم؟". كما استخدم معه، بحسب ما يوضح، طريقة إبقائه جالساً على كرسي الشبح (من وسائل التعذيب) 23 ساعة متواصلة والتهديد بقتله، مضيفاً أنه كان يرتاح من أسلوب تعذيب بأسلوب آخر، ويقول: "لقد أحضروا لي صورة ابني، وقال لي المحقق: إن لم تعترف، فسيعش ابنك يتيماً".
أمّا الأسير المحرر لؤي ساطي الأشقر من بلدة صيدا شمال طولكرم شمال الضفة الغربية، فعادت به ذاكرته إلى ما كان تعرض له من تعذيب، وهو ما يمرّ به حالياً الأسير سامر العربيد، إذ خاض الأشقر التجربة ذاتها. ويقول لـ"العربي الجديد": "ما زلت أتذكر وعيد المحققين لي بالموت إن لم أعترف، وفعلاً كان الموت أرحم مما تعرضت له، فالآن وبعد خروجي من السجن، لا أستطيع الوقوف أو المشي، فأنا مصاب بشلل نصفي"، لكنه استدرك سريعاً بالقول: "إعاقتي وسام شرف، ودليل على فشل الاحتلال بالنيل من عزيمتي".
وتؤكد الباحثة في "نادي الأسير الفلسطيني"، أماني السراحنة، لـ"العربي الجديد"، أنّ التعذيب الممارس بحقّ الأسرى لم يتوقّف، وهناك شهادات على ذلك، لكنه مورس بدرجات وأنواع مختلفة، فإعطاء القضاء الإسرائيلي قراراً استثنائياً بالتعذيب، يثبت أنّ الاستثناء هو القاعدة باستمرار تعذيب الأسرى. وتؤكّد السراحنة أنّ القضاء الإسرائيلي يمارس تعذيباً بحق المعتقلين كذراع أساسي يدعم ممارسة أجهزة أمن الاحتلال بإصدار قرارات بقضايا المعتقلين كافة، ما يستدعي الدعوة إلى ضرورة مقاطعة هذا القضاء.
من جهته، يؤكّد الناطق باسم "هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية"، حسن عبد ربه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من انضمامه وتوقيعه على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1999، إلا أنّه ومن خلال جهاز المخابرات الإسرائيلي، يمارس التعذيب بشكل ممنهج بحق المعتقلين الفلسطينيين.
ويشدّد عبد ربه على أنّ "محامي الهيئة يوثقون حالات التعذيب بأخذ شهادات الأسرى، مؤكداً أنّ قضيتهم بتفاصيلها كافة، من المرضى والإداريين والأطفال والنساء وحالات التعذيب التي يتعرضون لها، هي جزء من الملف الموجود لدى محكمة الجنايات الدولية، على الرغم من أنّ المدعية العامة للمحكمة لم تفتح إلى الآن تحقيقاً رسمياً بكل الملفات، بما فيها الأسرى، بكل أسف"، كلما ذكر التعذيب في سجون الاحتلال، تذكرت الأسيرة المحررة المحامية شيرين العيساوي عذابات قاسية عانتها هي وأشقاؤها في سجون الاحتلال أيام الأسر، ولا تزال تلاحقها كوابيسها، في الوقت الذي يرقد فيه الأسير سامر العربيد في قسم العناية المكثفة في مشفى هداسا على جبل المشارف المطل على بلدتها العيسوية بالقدس المحتلة في وضع صحيّ حرج جراء ما تعرض له من تعذيب على أيدي سجاني الاحتلال ومحققيه.
المسافة بين غرفة العناية التي يرقد فيها العربيد، ومنزل شيرين العيساوي في بلدتها المتاخمة للمستشفى قصيرة جداً ولا تتعدى سوى بضع مئات من الأمتار، لكنّ المسافة بين ماضٍ قريب عانت فيه من التعذيب خلال اعتقالات عدة تعرّضت لها في السنوات الماضية، وبين ما تعرض له الأسير العربيد من التنكيل قد تكون الأقرب وجدانياً لها، وهي التي لا تزال تترقّب تحرر أشقاءها الأسرى وعلى رأسهم سامر العيساوي.
وتقول شيرين في حديث مع "العربي الجديد"، عن تجربتها: "التعذيب هو من أصعب مراحل الاعتقال، وأنا شخصياً تعرّضت له خلال اعتقالي، سواء كان تعذيباً جسدياً أو نفسياً، أيضاً أشقائي مدحت وسامر وفراس ورأفت وفادي وشادي، كلهم تعرضوا للتعذيب في فترات التحقيق الأولى من اعتقالهم"، وتتابع: "أتذكر جيداً ما أبلغنا المحامي به، وبعد مرور 90 يوماً من التعذيب، ومنع زيارة المحامي لشقيقي مدحت وفراس وكانا قد اعتقلا في الشتاء، كيف أن المحققين وضعوهما عراة في ساحة تحت مزراب مياه المطر الباردة والثلج ينزل فوق رأسيهما وعلى جسديهما، حتى أصيبا بالإغماء". وتوضح شيرين أنه خلال التحقيق تم كسر أنف شقيقها مدحت وأسنانه جميعها، مضيفةً "فضلاً عن طريقة الشبح للخلف أو التعليق من السقف، وعندما أخرجوا ملابسهما (مدحت وفراس) كانت ممزقة والدماء الجافة تغطيها، حيث تم ضرب رأس مدحت بالحائط مرات عدة، وفي إحداها تمّ نقله إلى المستشفى بعد أن فقد الوعي وتدهورت حالته الصحية، عدا عن حرمانهما من النوم ووضع كيس مليء بالغائط على رأسيهما وخنقهما به".