دولي
عودة حَنْظَلَة وإحياء شعار "ثوْرَة حتى النصر"
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 أكتوبر 2019
الرَّاصِدُ لِمَعْنَى كَلِمَةِ الرِّبَاطِ عَلَى الثُّغُورِ فإنه يقصد بها وقوف وصمود ورباط في مكان ما من أجل هدف مصيري محدد، وهو تحرير البلد أو ربع من عدو غاصب. وقد كانت المرابطة أو الرباط في عصور الفتوح والانتصارات الخاصة بالأمة يمثل عملا وخلقا ربانيا عظيما حافظت عليه الأمة كَقُوَّةِ إيمَانِيَّةٍ مَيْدَانِيَّةٍ وَفِعْلٍ جليل يذود عن الأمة ومقدساتها من كل تكالب واحتلال.
لكن اليوم وفي فترة عصيبة من حياة ومسار الأمة، نجد أن التكالب والعداء للمقدسات والشعوب العربية والإسلامية المحافظة على الفطرة بلغ علوا وتصاعدا خطيرا يسعى إلى تصفية كل مقومات الوجود الخيري للأمة نسفا وخسفا لكل معاني الإسلام والفطرة والفكرة الباعثة على الانبعاث من جديد بفقه ربعي بن عامر وإبداع سلمان الفارسي وأمانة حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم.
هذا التكالب اليوم أخذ على عاتقه جمع كل أوراقه وعناصره العنصرية لِلَمّهَا فِي روحٍ وَاحدَةٍ تحتضنه وَتُوَجِّهُهُ وَهِي الرَّوحُ الصهيونية ضد عدو واحد وهي الأمة وقواها الحية في الشعوب والأقليات، والمقاومة في بيت المقدس.
لكن القصة لم تنته رغم هذا العلو الذي وصل مع صفقة القرن، فظهر مقابل هذا التكالب مفهوم آخر يشابه مفهوم الرباط في معانيه وَهُوَ مَفْهُومُ الْحَرَاكِ وَالْوُقُوفِ ضِدَّ الظُّلْمِ وَالثَّوْرَةِ فِي وَجْهِهِ. هو حراك آخر في قلب الأمة وحدث فكري جديد في الأمة وشبابها خصوصا ينتج بفضل تطور صناعة الوعي وتراكم الغضب.
بل وتطور هذا المفهوم ما بعد الربيع العربي من مفهوم تحرير الأقطار والبلدان العربية، إلى فقه يدرج المشروع الصهيوني كهدف محدد للثورة عليه والتحرر منه في مرحلة ثانية وإزالته، لِأَنَّهُ منْبَتُ الشَّرِّ وَالثَّوْرَاتِ الْمُضَادَّةِ، وَمَبْعَثُ الْأدْوَاءِ وَصَانِعُ الدِّيكْتَاتُورِيَّاتُ بامتياز.
فما دعوى إزالة النظام الفاسد، ومن يصنعه، ينفخ فيه من جديد دعما وتعزيزا وهو المصنع الصهيوني العالمي؟
لذلك شهدنا ما بعد الربيع العربي وصول الشباب العربي إلى حد الغضب الكبير والوعي السابر لأغوار وعمق الأحداث، بل ووصل الوعي إلى حد الانتقال مِنْ مَرْحَلَةِ اِنْتِظَارِ الْفُرْصَةِ التَّارِيخِيَّةِ لِثَوْرَةِ أُخْرَى إِلَى مَرْحَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَاكَ وَمَعَ الْإِعْدَادِ وَصِنَاعَةِ قُوَّةِ جِيلٍ يحمل معاني الثبات والصمود إلى أن يتحقق موعد التحرك الفيصل.
هذا المفهوم الواسع العميق في فكر التغيير والتحرير ناله بشكل تدريجي شباب الأمة عموما، والشباب المغربي وجماهيره خصوصا التي أوصلت رسالة قوية من خلال حراك أطلقت عليه "حرب الملاعب ضد المشروع الصهيوني وأعوانه"..
حَرَاكُ جُمْهُورِ الرَّجَاءِ الْمَغْرِبِيِّ
وهنا نرصد حركة الجمهور المغربي الذي لا تقل حركته عن حركة من يحب فلسطين أو يناصر للقضية الفلسطينية.
أولا: كانت الشعارات في المدرجات الجماهيرية مفعمة بالغضب والرسائل ضد الحكومة.
ثانيا : وفي مرحلة ثانية تطور الخطاب الجماهيري ليتجاوز الحكومة ليوصل رسائل إلى الدولة العميقة بشعارات عميقة كأغنية "في بلادي ظلموني " التي سطعت في الشعوب العربية والإسلامية وعبرت عن هموم الأمة.
فكانت هذه حركة أخرى تنم عن تطور في الفكر المغربي للجماهير والشباب حين يرسل رسالة من خلال "في بلادي ظلموني" أن الخطة انكشفت وهي عبارة عن عملية تصفية الشباب لتنفيذ أجندة الغرب والاستكبار العالمي الصهيوني.
ثالثا : المرحلة الثالثة هي مرحلة تطور فيها الفكر الشبابي ليوصل رسالة تنوب عن المغاربة والشعوب العربية المستضعفة، لتقول أن الاستبداد ومن يحكم ليس هو فقط المذنب، بل وأصل الداء في بلدنا وفي المنطقة هو الكيان الصهيوني.
لذلك كانت الشعارات هذه المرة في الملاعب المغربية موجهة لأصل الداء وهو المشروع الصهيوني وإلى نصرة القضية الفلسطينية والمقاومة.
وجاء هذا الفكر المتجدد متزامنا مع تجدد العلو والتكالب على الأمة خصوصا مع ظهور أباطرة الديكتاتورية وإخراجهم من قبل الاستكبار الصهيوني ليصفي الأمة وشبابها في شكل صفقة قرن، ففيهم أمثال من ينشر بالمناشير، أو من يقتل بالعشرات ويعدم حتى الرؤساء، بل وفيهم ومن يتحايل حتى لتصفية المسلمين في الإيغور وكشمير وضرب كل الثورات سواء في تونس أو السودان أو الجزائر..
رابعا : المرحلة الرابعة في تطور الفكر الجماهيري جاءت مع شعارات الرجاء المغربي هذا الأسبوع في مباراة هلال القدس أمام الرجاء البيضاوي.
وهي المباراة التي رفع فيها الرجاء البيضاوي "شعار حنظلة وشعار ثورة حتى النصر"، في رسالة مشفرة أن حنظلة سيتحرر ويحرر فلسطين، لكن قبلها ثورة حتى النصر، ليست ثورة فقط ضد الاحتلال الصهيوني، بل وثورة أولا على الاستبداد في بلادنا لتحرير أنفسنا أولا من ربقة نظام الظلم الذي يعد سياجا يحفظ أمن الكيان، لتكون المحطة الثانية بعد الثورة على الأنظمة المستبدة هي الثورة على المشروع الصهيوني بعد تحرر الأقطار.
الهوية المغاربية قوة وسلاح
لا ينبغي أبدا الاستخفاف بالشباب العربي المسلم، فهو جد واع بما يحدث بما أنه يرسل مثل هده الرسائل التي تدعونا أكثر إلى الحرص على سلامة وفكر هذا الشباب واحتضانه روحا وإيمانا، كي لا تخطفه خطط التمييع والتخريب المصنوعة في مصنع صفقة القرن. وأظن أن من تجليات هذا التخطيط الاستهدافي لشبابنا من قبل الآلية الصهيونية والمطبعة هو إطلاق مجموعة MBC لقناة المغرب العربي بالمنطقة المغاربية لضرب الهوية المغاربية التي تعد مقوما وقوة زعزعت كياناتهم وأظهرت أن الشعوب المغاربية رقم صعب، فهي حية لم تمت رغم جهود مائة من سنة من حكم جائر لم ينفع في ضرب فطرة الأجيال.
ثانيا التطبيع الصهيوني والاختراق في شعوبنا من بوابات الثقافة والأمازيغية والرياضة والسياحة لهو دلالة واضحة أن الصهيونية تنهج منهج آخر لاختراق العقول والشباب والجمعيات لضرب النسيج المجتمعي في المنطقة المغاربية التي لا زالت تحافظ على قوى حية أكثر من شعوب المنطقة الممزقة.
ختاما الشباب المغاربي هو قوة لا يستهان بها ووجب احتضانه مجملا في الملاعب والشوارع والجامعات بكل أشكال التربية الناجعة، والتوجيه النافع نحو تغيير يشمل تحرير العقول والإرادات إلى تحرير الشعوب لتحرير الأرض المقدسة من كل دنس وطغيان.
هشام توفيق